الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم من حج، ثم ارتد، ثم تاب، فذهب المالكية، والحنفية إلى أنه تجب عليه إعادة الحج، وكذا الحنابلة في رواية عندهم، ولا يجب عليه قضاؤه عند الشافعية، وهو الصحيح عند الحنابلة، قالوا: لأن ذمته قد برئت بفعله قبل الردة، ولأن الردة لو أسقطت حجه، وأبطلته؛ لأبطلت سائر عباداته المفعولة قبل ردته، ولأن الردة وإن كانت تحبط ثواب العمل، فلا يلزم من سقوط ثواب العمل سقوط العمل؛ بدليل أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة مسقطة للقضاء، ولا ثواب فيها عند أكثر العلماء.
ومنشأ الخلاف في مسألة وجوب قضاء حجة الفرض على المرتد، هو الخلاف في المراد من قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ... [الزمر:65]، فمن حمل الآية على الإطلاق، كمالك، ومن وافقه، رأى أن العمل قد بطل بمجرد الشرك، فكأنّ المرتد الذي قد حج، أتى بما يبطل حجه، فيتبقى الحج في ذمته.
أما الشافعي، ومن وافقه، فقد حمل المطلق من الآية المتقدمة على المقيد من قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217]، فحبوط العمل هنا معلق على حصول أمرين: الردة، والموت عليها. والمعلق على أمرين لا يتم إلا بهما، ونظير ذلك قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {النساء:6}، فمن دفعها لهم بعد بلوغ النكاح وقبل إيناس الرشد، كان مفرطًا ضامنًا، وكذلك قوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، فقد علق الوطء على الطهر، أي: انقطاع الدم، وجفاف المحل، وعلى التطهر، أي: الاغتسال بالماء، فلو طهرت ولم تتطهر، لم يجز أن توطأ.
وبهذا يعلم أن الراجح في المسألة هو ما ذهب إليه الشافعي، ومن وافقه من أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام، لا يجب عليه إعادة الحج؛ إن كان قد حج.
وأما مسألة سب الله تعالى، فقد تقدم حكمها في الفتوى: 8927.
والله أعلم.