الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ما قرره السائل - في نص السؤال - من أن صوت المرأة عورة على الإطلاق، خلاف الراجح، والمشهور، ففي صحيح البخاري عن أم عطية قالت: بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ علينا أن لا نشرك بالله شيئًا... الحديث، وفيه: ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منا يدها، وقالت: فلانة أسعدتني، وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل شيئًا، فذهبت، ثم رجعت.. الحديث.
قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: وفي هذا الحديث أن كلام الأجنبية مباح سماعه، وأن صوتها ليس بعورة.
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهنّ، قال لهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلقن، فقد بايعتكن... الحديث، وفيه: وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ: "وقد بايعتكن كلامًا.
وفي شرح هذا الحديث قال النووي: وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة، وأن صوتها ليس بعورة.
وذهب أصحاب المذاهب الأربعة إلى هذا القول.
وأما حديث بريدة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف، جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله، إني كنت نذرت إن ردَّك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدف، وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كنت نذرت، فاضربي، وإلا فلا، فجعلت تضرب... الحديث. رواه الترمذي، وقال عنه: حديث حسن غريب صحيح. فهو يدل جواز سماع غناء الأجنبية، الذي هو أخص من مطلق الصوت، إذا أمنت الفتنة، قال صاحب تحفة الأحوذي: وفي قولها: (وتغني)، دليل على أن صوت المرأة مباح، إذا خلا عن الفتنة.
وقال ابن حجر - وهو يشرح حديث البخاري في غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله عنها-: وقد استدل بهذا الحديث على جواز سماع صوت الجارية بالغناء، ولو لم تكن مملوكة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه، بل أنكر إنكاره، واستمرتا بالغناء، إلى أن أشارت إليهما عائشة -رضي الله عنها- بالخروج. ثم قال: ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك.
وخلاصة ما ذكره العلماء في هذه المسألة: أن سماع صوت المرأة الأجنبية جائز، ما لم يكن فيه خضوع بالقول، وما لم يؤد سماعه إلى الوقوع في الفتنة.
والله أعلم.