1457 - حدثنا العباس بن أحمد الختلي المعروف بابن أبي شحمة قال [ ص: 1981 ] : حدثنا دهثم بن الفضل أبو سعيد الرملي ، قال : ثنا ، قال : حدثنا المؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد ، أيوب وهشام ، عن قال : " لقد كان في الدار جماعة من المهاجرين والأنصار وأبناؤهم ، منهم : محمد بن سيرين ، عبد الله بن عمر والحسن والحسين وعبد الله بن الزبير ، ومحمد بن طلحة ، الرجل منهم خير من كذا وكذا ، يقولون : يا أمير المؤمنين ، خل بيننا وبين هؤلاء القوم ، فقال : أعزم على كل رجل منكم وإن لي عليه حقا أن لا يهريق في دما ، وأحرج على كل رجل منكم لما كفاني اليوم نفسه" .
فإن قال قائل : فقد علموا أنه مظلوم ، وقد أشرف على القتل ، فكان ينبغي لهم أن يقاتلوا عنه ، وإن كان قد منعهم .
قيل له : ما أحسنت القول ؛ لأنك تكلمت بغير تمييز .
فإن قال : ولم ؟ [ ص: 1982 ]
قيل : لأن القوم كانوا أصحاب طاعة ، وفقهم الله تعالى للصواب من القول والعمل ، فقد فعلوا ما يجب عليهم من الإنكار بقلوبهم وألسنتهم ، وعرضوا أنفسهم لنصرته على حسب طاقتهم ، فلما منعهم رضي الله عنه من نصرته ، علموا أن الواجب عليهم السمع والطاعة له ، وأنهم إن خالفوه لم يسعهم ذلك ، وكان الحق عندهم فيما رآه عثمان رضي الله عنه وعنهم . عثمان
فإن قال : من نصرته وهو مظلوم ، وقد علم أن قتالهم عنه نهى عن منكر ، وإقامة حق يقيمونه ؟ . عثمان فلم منعهم
قيل له : وهذا أيضا غفلة منك .
فإن قال : وكيف ؟
قيل له : منعه إياهم عن نصرته يحتمل وجوها ، كلها محمودة : -
أحدها : علمه بأنه مقتول مظلوم لا شك فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه أنك تقتل مظلوما ، فاصبر ، فقال : أصبر . فلما أحاطوا به علم أنه مقتول ، وأن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم له حق كما قال ، لابد من أن يكون ، ثم علم أنه قد وعده من نفسه الصبر ، فصبر كما وعد ، وكان عنده أن من طلب الانتصار لنفسه والذب عنها فليس هذا بصابر ، إذ وعد من نفسه الصبر فهذا وجه .
ووجه آخر : وهو أنه قد علم أن في الصحابة رضي الله عنهم قلة عدد ، وأن الذين يريدون قتله كثير عددهم ، فلو أذن لهم بالحرب لم يأمن أن يتلف من صحابة نبيه بسببه ، فوقاهم بنفسه إشفاقا منه عليهم ؛ لأنه راع والراعي [ ص: 1983 ] فواجب عليه أن يحيط رعيته بكل ما أمكنه ، ومع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه ، وهذا وجه .
ووجه آخر : وهو أنه لما علم أنها فتنة ، وأن وهذا أيضا إشفاق منه عليهم ، نعم ، وتذهب فيها الأموال ، ويهتك فيها الحريم ، فصانهم عن جميع هذا . الفتنة إذا سل فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق ؛ فلم يختر لأصحابه أن يسلوا في الفتنة السيف ،
ووجه آخر ، يحتمل أن يصبر عن الانتصار لتكون الصحابة رضي الله عنهم شهودا على من ظلمه ، وخالف أمره ، وسفك دمه بغير حق ، لأن المؤمنين شهداء الله عز وجل في أرضه ، ومع ذلك فلم يحب أن يهراق بسببه دم مسلم ، ولا يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بإهراقه دم مسلم ، وكذا قال رضي الله عنه . فكان عثمان رضي الله عنه بهذا الفعل موفقا معذورا رشيدا ، وكان الصحابة رضي الله عنهم في عذر ، وشقي قاتله . [ ص: 1984 ]