193 - حدثنا
أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني ، قال : حدثنا
أحمد بن الممتنع بن عبيد الله القرشي التيمي ، قال : أخبرنا
أبو الفضل صالح بن علي بن يعقوب المنصور الهاشمي - وكان من وجوه
بني هاشم ، وأهل الجلالة والسبق منهم - قال : حضرت
المهتدي بالله أمير المؤمنين ، وقد
[ ص: 541 ] جلس ينظر في أمور المسلمين في دار العامة ، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها فيأمر بالتواقيع فيها ، وإنشاء الكتب لأصحابها ، ويختم ويدفع إلى صاحبه بين يديه ، فسرني ذلك وجعلت أنظر إليه ففطن ونظر إلي ، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا ثلاثا ، إذا نظر إلي غضضت وإذا اشتغل نظرت ، فقال لي : يا
صالح ؛ قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، وقمت قائما ، فقال : في نفسك منا شيء تحب أن تقوله ؟ أو قال : تريد أن تقوله ؟ فقلت : نعم يا سيدي يا أمير المؤمنين ، قال لي : عد إلى موضعك ، فعدت وعاد في النظر حتى إذا قام قال للحاجب : لا يبرح
صالح ، فانصرف الناس ثم أذن لي وقد أهمتني نفسي ؛ فدخلت ، فدعوت له ، فقال لي : اجلس . فجلست ، فقال : يا
صالح ، تقول لي ما دار في نفسك ، وأقول أنا ما دار في نفسي إنه دار في نفسك ؟
قلت : يا أمير المؤمنين ، ما تعزم عليه وما تأمر به . فقال : وأقول : أنا كأني بك وقد استحسنت ما رأيت منا ، فقلت : أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول : القرآن مخلوق !
فورد على قلبي أمر عظيم وأهمتني نفسي ، ثم قلت : يا نفس هل تموتين إلا مرة ؟ ! وهل تموتين قبل أجلك ؟ وهل يجوز الكذب في جد أو هزل ؟
[ ص: 542 ] فقلت : والله يا أمير المؤمنين ما دار في نفسي إلا ما قلت ، ثم أطرق مليا ، ثم قال لي : ويحك ؛ اسمع مني ما أقول ، فوالله لتسمعن مني الحق ، فسري عني ؛ فقلت : يا سيدي ، ومن أولى بقول الحق منك ، وأنت أمير المؤمنين ، وأنت خليفة رب العالمين ، وابن عم سيد المرسلين من الأولين والآخرين ، فقال : ما زلت أقول : القرآن مخلوق صدرا من خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق ، حتى أقدم علينا
أحمد بن أبي دؤاد شيخا من أهل
الشام من أهل
أذنة ، فأدخل الشيخ على
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق مقيدا ، وهو جميل الوجه ، تام القامة ،
[ ص: 543 ] حسن الشيبة ، فرأيت
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق قد استحيى منه ، ورق له ، فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه ، فسلم الشيخ فأحسن السلام ، ودعا فأبلغ الدعاء وأوجز ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق اجلس .
ثم قال له : يا شيخ ، ناظر
ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه . فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ،
ابن أبي دؤاد يقل ويضيق ويضعف عن المناظرة ، فغضب
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق ، وعاد مكان الرأفة له غضبا عليه ، فقال
أبو عبد الله : ابن أبي دؤاد يضيق ويقل ويضعف عن مناظرتك أنت ؟ !
فقال الشيخ : هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك ، وائذن لي في مناظرته .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : ما دعوتك إلا للمناظرة .
فقال الشيخ : يا
أحمد بن أبي دؤاد ، إلام دعوت الناس ؟ ودعوتني إليه ؟
قال : إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=29455_29453_28742تقول : القرآن مخلوق ؛ لأن كل شيء دون الله مخلوق .
فقال الشيخ : إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تحفظ علي وعليه ما يقول ؟ قال : أفعل .
قال الشيخ : أخبرني يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، عن مقالتك هذه أواجبة داخلة في عقد
[ ص: 544 ] الدين ، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه ما قلت ؟
قال : نعم .
قال الشيخ : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله تعالى إلى عباده ، هل ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أمر الله تعالى به في دينه ؟
قال : لا .
قال الشيخ : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه ؟
فسكت
ابن أبي دؤاد .
فقال الشيخ : تكلم . فسكت ، فالتفت الشيخ إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق فقال : يا أمير المؤمنين ؛ واحدة ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : واحدة .
فقال الشيخ : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أخبرني عن الله تعالى ، حين أنزل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) كان الله تعالى الصادق في إكمال دينه ، أم أنت الصادق في نقصانه ، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بمقالتك هذه ؟ !
فسكت
ابن أبي دؤاد .
فقال الشيخ : أجب يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فلم يجبه ، فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين : اثنتان ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : اثنتان .
[ ص: 545 ] فقال الشيخ : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أخبرني عن مقالتك هذه ؛ أعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها ؟
قال
ابن أبي دؤاد : علمها .
قال الشيخ : فدعا الناس إليها ؟
فسكت
ابن أبي دؤاد .
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ثلاث ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : ثلاث .
فقال الشيخ : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ علمها كما زعمت ولم يطالب أمته بها ؟
قال : نعم .
قال الشيخ : واتسع
nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي رضي الله عنهم ؟ فقال
ابن أبي دؤاد : نعم .
فأعرض الشيخ عنه ، وأقبل على
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق ، فقال : يا أمير المؤمنين قد قدمت القول إن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد يضيق ويقل ويضعف عن المناظرة .
يا أمير المؤمنين ، إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي رضي الله عنهم ، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم من ذلك .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : نعم ، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي رضي الله عنهم فلا وسع الله
[ ص: 546 ] علينا ، اقطعوا قيد الشيخ .
فلما قطع ضرب الشيخ بيده إلى القيد ليأخذه فجاذبه الحداد عليه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : دع الشيخ ليأخذه ، فأخذه الشيخ ، فوضعه في كمه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : لم جاذبت عليه ؟ قال الشيخ : لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا مت أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله تعالى يوم القيامة ، فأقول : يا رب ؛ سل عبدك هذا لم قيدني ، وروع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي . وبكى الشيخ ، فبكى
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق ، وبكينا ثم سأله
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله .
فقال الشيخ : والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت رجلا من أهله .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : لي إليك حاجة . فقال الشيخ : إن كانت ممكنة فعلت .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : تقيم قبلنا فينتفع بك فتياننا .
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني
[ ص: 547 ] منه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عليك ، وأخبرك بما في ذلك : أصير إلى أهلي وولدي وأكف دعاءهم عليك فقد خلفتهم على ذلك .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق : فتقبل منا صلة تستعين بها على دهرك .
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ؛ لا تحل لي ، أنا عنها غني ، وذو مرة سوي .
قال : فسل حاجتك . قال : أو تقضيها يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم . قال : تخلي سبيلي إلى الثغر الساعة ، وتأذن لي . قال : قد أذنت لك ، فسلم عليه الشيخ وخرج .
قال
صالح : قال
المهتدي بالله رحمة الله عليه : فرجعت عن هذه المقالة من ذلك اليوم ، وأظن
الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت .
193 - حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ إِدْرِيسَ الْقَزْوِينِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْمُمْتَنِعِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيُّ - وَكَانَ مِنْ وُجُوهِ
بَنِي هَاشِمٍ ، وَأَهْلِ الْجَلَالَةِ وَالسَّبْقِ مِنْهُمْ - قَالَ : حَضَرْتُ
الْمُهْتَدِيَ بِاللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ
[ ص: 541 ] جَلَسَ يَنْظُرُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْعَامَّةِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى قِصَصِ النَّاسِ تُقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَيَأْمُرُ بِالتَّوْاقِيعِ فِيهَا ، وَإِنْشَاءِ الْكُتُبِ لِأَصْحَابِهَا ، وَيَخْتِمُ وَيَدْفَعُ إِلَى صَاحِبِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَسَرَّنِي ذَلِكَ وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ وَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَغَضَضْتُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَارًا ثَلَاثًا ، إِذَا نَظَرَ إِلَيَّ غَضَضْتُ وَإِذَا اشْتَغَلَ نَظَرْتُ ، فَقَالَ لِي : يَا
صَالِحُ ؛ قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقُمْتُ قَائِمًا ، فَقَالَ : فِي نَفْسِكَ مِنَّا شَيْءٌ تَحِبُ أَنْ تَقُولَهُ ؟ أَوْ قَالَ : تُرِيدُ أَنْ تَقُولَهُ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا سَيِّدِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ لِي : عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ ، فَعُدْتُ وَعَادَ فِي النَّظَرِ حَتَّى إِذَا قَامَ قَالَ لِلْحَاجِبِ : لَا يَبْرَحُ
صَالِحٌ ، فَانْصَرَفَ النَّاسُ ثُمَّ أَذِنَ لِي وَقَدْ أَهَمَّتْنِي نَفْسِي ؛ فَدَخَلْتُ ، فَدَعَوْتُ لَهُ ، فَقَالَ لِي : اجْلِسْ . فَجَلَسْتُ ، فَقَالَ : يَا
صَالِحُ ، تَقُولُ لِي مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ ، وَأَقُولُ أَنَا مَا دَارَ فِي نَفْسِي إِنَّهُ دَارَ فِي نَفْسِكَ ؟
قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا تَعْزِمُ عَلَيْهِ وَمَا تَأْمُرُ بِهِ . فَقَالَ : وَأَقُولُ : أَنَا كَأَنِّي بِكَ وَقَدِ اسْتَحْسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا ، فَقُلْتُ : أَيُّ خَلِيفَةٍ خَلِيفَتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ !
فَوَرَدَ عَلَى قَلْبِي أَمْرٌ عَظِيمٌ وَأَهَمَّتْنِي نَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ : يَا نَفْسُ هَلْ تَمُوتِينَ إِلَّا مَرَّةً ؟ ! وَهَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكَ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي جَدٍّ أَوْ هَزْلٍ ؟
[ ص: 542 ] فَقُلْتُ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلَّا مَا قُلْتُ ، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي : وَيْحَكَ ؛ اسْمَعْ مِنِّي مَا أَقُولُ ، فَوَاللَّهِ لَتَسْمَعَنَّ مِنِّي الْحَقَّ ، فَسُرِّيَ عَنِّي ؛ فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، وَمَنْ أَوْلَى بِقَوْلِ الْحَقِّ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنْتَ خَلِيفَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَابْنُ عَمِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، فَقَالَ : مَا زِلْتُ أَقُولُ : الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ صَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقِ ، حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْنَا
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ مِنْ أَهْلِ
أَذَنَةَ ، فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقِ مُقَيَّدًا ، وَهُوَ جَمِيلُ الْوَجْهِ ، تَامُّ الْقَامَةِ ،
[ ص: 543 ] حَسَنُ الشَّيْبَةِ ، فَرَأَيْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقَ قَدِ اسْتَحْيَى مِنْهُ ، وَرَقَّ لَهُ ، فَمَا زَالَ يُدْنِيهُ وَيُقَرِّبُهُ حَتَّى قَرُبَ مِنْهُ ، فَسَلَّمَ الشَّيْخُ فَأَحْسَنَ السَّلَامَ ، وَدَعَا فَأَبْلَغَ الدُّعَاءَ وَأَوْجَزَ ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ اجْلِسْ .
ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا شَيْخُ ، نَاظِرِ
ابْنَ أَبِي دُؤَادٍ عَلَى مَا يُنَاظِرُكَ عَلَيْهِ . فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ،
ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَقِلُّ وَيَضِيقُ وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ ، فَغَضِبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ ، وَعَادَ مَكَانَ الرَّأْفَةِ لَهُ غَضَبًا عَلَيْهِ ، فَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : ابْنُ أَبِي دُؤَادَ يَضِيقُ وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ ؟ !
فَقَالَ الشَّيْخُ : هَوِّنْ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِكَ ، وَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظَرَتِهِ .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : مَا دَعَوْتُكَ إِلَّا لِلْمُنَاظَرَةِ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ ، إِلَامَ دَعَوْتَ النَّاسَ ؟ وَدَعَوْتَنِي إِلَيْهِ ؟
قَالَ : إِلَى أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29455_29453_28742تَقُولَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : إِنْ رَأَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ مَا يَقُولُ ؟ قَالَ : أَفْعَلُ .
قَالَ الشَّيْخُ : أَخْبِرْنِي يَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ أَوَاجِبَةٌ دَاخِلَةٌ فِي عَقْدِ
[ ص: 544 ] الدِّينِ ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ مَا قُلْتَ ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ الشَّيْخُ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِبَادِهِ ، هَلْ سَتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي دِينِهِ ؟
قَالَ : لَا .
قَالَ الشَّيْخُ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ إِلَى مَقَالَتِكَ هَذِهِ ؟
فَسَكَتَ
ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : تَكَلَّمْ . فَسَكَتَ ، فَالْتَفَتَ الشَّيْخُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ وَاحِدَةٌ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : وَاحِدَةٌ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، حِينَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا ) كَانَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّادِقُ فِي إِكْمَالِ دِينِهِ ، أَمْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقْصَانِهِ ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ ؟ !
فَسَكَتَ
ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : أَجِبْ يَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : اثْنَتَانِ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : اثْنَتَانِ .
[ ص: 545 ] فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ ؛ أَعَلِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ جَهِلَهَا ؟
قَالَ
ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : عَلِمَهَا .
قَالَ الشَّيْخُ : فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا ؟
فَسَكَتَ
ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثَلَاثٌ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : ثَلَاثٌ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، فَاتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَلِمَهَا كَمَا زَعِمْتَ وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ الشَّيْخُ : وَاتَّسَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ فَقَالَ
ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : نَعَمْ .
فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ قَدَّمْتُ الْقَوْلَ إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ يَضِيقُ وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ .
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَكَ مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلِأَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : نَعَمْ ، إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَنَا مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلِأَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ
[ ص: 546 ] عَلَيْنَا ، اقْطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ .
فَلَمَّا قُطِعَ ضَرَبَ الشَّيْخُ بِيَدِهِ إِلَى الْقَيْدِ لِيَأْخُذَهُ فَجَاذَبَهُ الْحَدَّادُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : دَعِ الشَّيْخَ لِيَأْخُذَهُ ، فَأَخَذَهُ الشَّيْخُ ، فَوَضَعَهُ فِي كُمِّهِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : لِمَ جَاذَبْتَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ الشَّيْخُ : لِأَنِّي نَوَيْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَى مَنْ أُوصِي إِلَيْهِ إِذَا مِتُّ أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كَفَنِي حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَّالِمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَأَقُولَ : يَا رَبِّ ؛ سَلْ عَبْدَكَ هَذَا لِمَ قَيَّدَنِي ، وَرَوَّعَ أَهْلِي وَوَلَدِي وَإِخْوَانِي بِلَا حَقٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيَّ . وَبَكَى الشَّيْخُ ، فَبَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ ، وَبَكَيْنَا ثُمَّ سَأَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِمَّا نَالَهُ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كُنْتَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ . فَقَالَ الشَّيْخُ : إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً فَعَلْتُ .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : تُقِيمُ قِبَلَنَا فَيَنْتَفِعَ بِكَ فِتْيَانُنَا .
فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخْرَجَنِي
[ ص: 547 ] مِنْهُ هَذَا الظَّالِمُ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ مَقَامِي عَلَيْكَ ، وَأُخْبِرُكَ بِمَا فِي ذَلِكَ : أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي وَأَكُفُّ دُعَاءَهُمْ عَلَيْكَ فَقَدْ خَلَّفْتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ : فَتَقَبَّلْ مِنَّا صِلَةً تَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى دَهْرِكَ .
فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ لَا تَحِلُّ لِي ، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ ، وَذُو مِرَّةٍ سَوِيٍّ .
قَالَ : فَسَلْ حَاجَتَكَ . قَالَ : أَوَ تَقْضِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : تُخَلِّي سَبِيلِي إِلَى الثَّغْرِ السَّاعَةَ ، وَتَأْذَنْ لِي . قَالَ : قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَخَرَجَ .
قَالَ
صَالِحٌ : قَالَ
الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : فَرَجَعْتُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مُنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَأَظُنُّ
الْوَاثِقَ بِاللَّهِ كَانَ رَجَعَ عَنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ .