ذكر نفقة الموسع عليه ونفقة المقتر
اختلف أهل العلم فيما يفرض للزوجة على زوجها من المكيلة.
فقالت طائفة: مد من حنطة لكل يوم، كذلك قال قال: أدركت الناس وهم يفرضون للمرأة على زوجها إذا سألت النفقة مدا من حنطة كل يوم، روي هذا القول عن مالك، وبه قال أبان بن عثمان، . إبراهيم النخعي
وكان يقول: يفرض للمقتر مد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون، حنطة كان أو شعيرا أو ذرة، ومكيلة من أدم بلادها، زيتا كان أو سمنا، بقدر ما يكفي ما وصفت من ثلاثين مدا في الشهر، ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها، وقد قيل: لها في الشهر أربعة أرطال لحم، في كل جمعة رطل، وقال: وإن كان زوجها موسعا فرض لها مدين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفرض لها من الأدم واللحم ضعف ما وصفت لامرأة المقتر، وكذلك في الدهن والعسل. الشافعي
قال: وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دفعه إلى الذي أصاب أهله في رمضان العرق فيه خمسة عشر صاعا أو عشرون صاعا لستين مسكينا، والعرق خمسة عشر صاعا، وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين؛ لأن أكثر ما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في فدية الكفارة للأذى مدين لكل مسكين، وبينهما وسط، ولم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا، والفرض على الوسط - الذي ليس بموسع ولا المقتر - بينهما، مد ونصف للمرأة، ومد للخادم. [ ص: 54 ]
قال وقد روي عن أبو بكر: أنه فرض للمطلقة نصف صاع كل يوم، والذي حكيته عن النخعي قيل: إنما فرض ذلك على الزوج. النخعي
وروي عن أنه فرض لامرأة في قوتها بخمسة عشر صاعا بالحجازي، ودرهمين لدهنها وحاجتها في كل شهر. الشعبي
قال وأبى كثير من أهل العلم التحديد في هذا الباب، وقالوا: إنما ذلك على قدر طاقة الزوج ويساره، وكره بعضهم أن يكون في ذلك تحديد، قبل نزول ذلك بالحاكم، وإنما يجتهد رأيه عند نزول الأمر، فيفرض ما يكون فيه الكفاية بالقصد. أبو بكر:
كان يقول: ليس عندنا فيما يفرض على الرجل نفقة معلومة، إذا هو وجدها حبس بذلك امرأته، أو لم يجدها فرق بينه وبين امرأته، لا على غني، ولا على مسكين، لا في المدائن، ولا في القرى، ولا في البادية، ولا في الآفاق، لغلاء سعر، ولا لرخصه، إنما ذلك عندنا بقدر الموسر والمعسر. مالك بن أنس
وكان يقول: إذا كانت من أهل اليسار، وكان الزوج كذلك، فرض لها كأوسط ما يأكل أهل تلك البلد، ومن الإدام ما يأتدم به الناس من أهل الجدة ليس بأرفع ذلك ولا أخسها، وإن كان رجل من الصناع، وكسبه ليس بالمحتمل، فرض عليه بقدر ما يطيق بين الطعام والكسوة مما [ ص: 55 ] لا يكون فيه ضرر على المرأة، ومن الطعام ما يأكله مثلها، حنطة أو أرز أو شعير، ومن الثياب ما يلبسه مثلها، وكذلك الإدام، وما تحتاج إليه من النفقة في الدهن والحناء والعسل وغير ذلك على قدر ما يحتمله الرجل، ويكون صلاحا لمثلها. أبو ثور
وكان أبو عبيد يقول: والذي عليه الحكام اليوم أنه ليس فيه حد عندهم مؤقت، إنما هو على قدر طاقة الزوج ويساره، وإن كان الذي يفرض لها طعاما تبلغ ما يكون كفايتها بالقصد، وإن كان دراهم فعلى قدر السعر من رخصه وغلائه، وبهذا قال أبو عبيد، قال: لأنه ليس فيه وقت معلوم في كتاب ولا سنة.
قال وقد احتج بعض من لا يرى التحديد في ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر: لهند امرأة أبي سفيان حين قالت له: إنه ليس ينفق علي، فآخذ من ماله؟ فقال: قالوا: أفلا تراه يوقت وقتا حين سألته ما يجب لها، بل أمرها أن تأخذ ما يكفيها. "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"
فالذي يجب على الحاكم أن يفرض ما يكفي، ليس في ذلك حد يحد إلا عند نزول الأمر و[اجتهاد] الرأي.
فأما أصحاب الرأي فإنهم قالوا: فريضة النفقة في ذلك على [ ص: 56 ] الموسع قدره، وعلى المقتر قدره، على قدر غلاء السعر ورخصه، يقوم ذلك قيمة بالمعروف، فإن كان معسرا فرض لامرأته من النفقة كل شهر أربعة دراهم إلى خمسة أو ما بين ذلك، ولخادمها ثلاثة أو أقل من ذلك قليلا، أو أكثر من ذلك، إنما يفرض على المعسر القوت الذي ليس فيه فضل، يقوم الدقيق قيمة وما يكفيها كل يوم، وما لا بد منه من الإدام والدهن لها ولخادمها، وذكروا الكسوة.
وإن كان الرجل موسرا فالنفقة عليه للمرأة ثمانية أو سبعة، أو أقل من ذلك قليلا، أو نحو ذلك، يوسع عليها في الطعام والإدام، ولخادمها ثلاثة أو أربعة، أو أقل من ذلك بقليل.