3706 - وحدثنا المطهر بن علي، أنا أبو ذر، أنا نا أبو الشيخ، إسحاق بن جميل، نا بإسناد سفيان بن وكيع، أبي عيسى، عن قال: الحسن بن علي، سألت أبي عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " كان إذا أوى إلى منزله، فساق الحديث. [ ص: 276 ] .
وقال: وقال: لا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وقال: ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، معتدلين يتواصون فيه بالتقوى. كان لا يجلس ولا يقوم إلا ذكر الله، لا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها،
وقال: قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه.
وزاد في آخره، قال: فسألته: كيف كان سكوته؟ قال: كان على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكير، فأما تقديره، ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس، وأما سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع له الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء، ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح ليتناهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته، والقيام فيما خير لهم فيما يجمع لهم خير الدنيا والآخرة ". تفكيره، ففيما يبقى ويفنى،
قوله: " كان فخما مفخما ".
أي: كان عظيم القدر معظما في الصدور والعيون، ولم يرد به ضخامة الجسم، قال أبو عبيدة: الفخامة [ ص: 277 ] نبله وامتلاؤه، مع الجمال والمهابة.
قوله: " أطول من المربوع "، المربوع والربعة: هو الرجل بين الرجلين، والمشذب: الطويل البائن الطول، وأصل التشذيب: التفريق، فيقال: شذبت المال: إذا فرقته، فالمفرط في الطول، كأنه فرق خلقه ولم يجتمع.
قوله: " إن انفرقت عقيقته فرق "، فالعقيقة: اسم للشعر الذي يخرج المولود من بطن أمه وهو عليه، سمي عقيقة، لأنه يحلق، وأصل العق: الشق والقطع، ومنه قيل للذبيحة التي تذبح عند الولادة: عقيقة.
لأنه يشق حلقومها، ثم قيل للشعر الذي ينبت بعد ذلك الشعر: عقيقة أيضا عن طريق الاستعارة، وذلك معناه ها هنا، يقول: إن انفرق شعر رأسه من ذات نفسه، فرقه في مفرقه، وإن لم ينفرق، تركه وفرة واحدة على حالها، يقال: فرقت الشيء أفرقه فرقا.
وقيل: العقيقة اسم للشعر قبل أن يحلق، فإذا حلق ثم نبت، زال عنه اسم العقيقة، وسمي شعره عليه السلام عقيقة، لأن عقيقته كانت على رأسه، لم ينقل أنه قد حلق في صباه.
ويروى: " إن انفرقت عقيصته فرق "، والعقيصة: الشعر المعقوص، وهو نحو من المضفور، والوفرة: الشعر إلى شحمة الأذن، والجمة إلى المنكب، واللمة: التي ألمت بالمنكبين.
وقوله: " أزهر اللون "، أي: نير اللون، والزهرة: البياض النير وهو أحسن الألوان.
وقوله: " بينهما عرق يدره الغضب ".
يعني بين [ ص: 278 ] حاجبيه عرق يمتلئ دما إذا غضب، يقال: درت العروق: إذا امتلأت دما، كما يقال: در الضرع إذا امتلأ لبنا.
قوله: " كث اللحية " الكثوثة فيها: أن تكون غير دقيقة ولا طويلة، ولكن فيها كثافة.
قوله: " ضليع الفم "، يقال: عظيم الفم، والعرب تحب ذلك، وتذم صغر الفم، ومنه قوله في وصف كلامه: يفتتح الكلام، ويختتمه بأشداقه، وقيل في ضليع الفم شدة أسنانه وتراصفها.
وقوله: " مفلج الأسنان "، أراد أفلج الأسنان، والفلج: فرجة بين الثنايا والرباعيات.
وقوله " دقيق المسربة "، فالمسربة: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة، كما ذكره بعده موصل ما بين اللبة بشعر يجري كالخط.
قوله: " عاري الثديين "، ويروى: " عاري الثندوتين ".
يريد أنه لم يكن على ذلك الموضع منه شعر، وقيل: أراد أنه لم يكن عليهما كثير لحم، والثندوة للرجل كالثدي للمرأة من ضم الثاء منها همزها، ومن فتحها لم يهمز الواو.
وقوله: " كأن عنقه جيد دمية "، الدمية: الصورة المصورة، وجمعها دمى.
وقوله: " بادن متماسك "، أي: معتدل الخلق يمسك بعض أعضائه بعضا، ليس المراد منه بدانة السمن، ولا ضخامة البدن بدليل قوله: " سواء البطن والصدر ".
" ضخم الكراديس "، أي: الأعضاء.
وقوله: " أنور المتجرد "، أي: مشرق الجسد، والمتجرد من جسده: الذي تجرد عنه الثياب، والأنور: النير، كما قال الله سبحانه وتعالى: [ ص: 279 ] ( وهو أهون عليه ) ، أي: هين عليه.
" رحب الراحة ": واسع الكف.
" شثن الكفين ": غليظهما.
قوله: " سائل الأطراف "، أي: ممتد الأصابع وهي بالسين غير المعجمة، ورواه بعضهم " ساين " بالنون، ومعناهما واحد، مثل جبريل وجبرين.
وقوله: " خمصان الأخمصين "، الأخمص من القدم: الذي لا يلصق بالأرض في الوطء من باطنها، أراد أن ذلك الموضع من رجله كان شديد التجافي عن الأرض، وأنه لم يكن " أروح " وهو الذي يستوي باطن رجله، وسمي الأخمص أخمص لضموره، ودخوله في الرجل.
قوله: " مسيح القدمين ".
يريد استواءهما من غير وسخ، ولا شقاق، ولا تكسر فيهما، فإذا أصابهما الماء نبا عنهما، وقيل: أراد به الملاسة واللين.
قوله: " إذا زال، زال قلعا ".
بفتح القاف وكسر اللام، يريد: يرفع رجليه رفعا بائنا يخطو تكفيا، ويروى تكفؤا، فالانحدار من الصبب، والتكفؤ إلى قدام، والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، والمراد منه القوة في المشي برفع الرجلين، وامتداد الخطى، لا كمن يمشي مختالا، وهي المشية المحمودة للرجال.
وقوله: " ذريع المشية " أي سريع المشي، واسع الخطو، ولم يكن بحيث يتبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة، ألا تراه يقول: " ويمشي هونا ".
والهون معناه: الترفق والتثبت، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( يمشون على الأرض هونا ) .
قال : بالسكينة والوقار، يدل عليه حديث مجاهد : أبي هريرة . " إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث "
وقوله: " إذا التفت، التفت جمعا " ويروى " جميعا "، يريد: لا يلوي [ ص: 280 ] عنقه يمنة ويسرة ناظرا إلى شيء، وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف، ولكن يقبل جميعا، ويدبر جميعا.
قوله: جل نظره الملاحظة وهو أن ينظر الرجل بلحاظ عينه إلى الشيء شزرا، وهو شق العين الذي يلي الصدغ، فأما الذي يلي الأنف، فهو الموق والماق، يقال: لحظ إليه ولحظه: إذا نظر إليه بمؤخر عينه.
قوله: " يتكلم بجوامع الكلم ".
يريد: كثير المعاني، قليل اللفظ، ومنه قوله عليه السلام: " أوتيت جوامع الكلم " وقيل معنى قوله: " أوتيت جوامع الكلم " يعني القرآن، جمع الله تعالى بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة.
قوله: " ليس بالجافي، ولا المهين ".
أي: ليس بالغليظ الخلقة، ولا المحتقر، كما قال أنس: " ليس بالطويل البائن، ولا القصير ".
وفي رواية علي، رضي الله عنه، في وصفه عليه السلام: " ليس بالطويل الممغط ولا القصير المتردد "، ويروى: " ولا المهين " برفع الميم، فيكون معناه: ليس بالذي يجفو أصحابه ويهينهم.
وقوله: " لم يكن يذم ذواقا ".
أي: شيئا مما يذاق، ويقع على المأكول والمشروب، فعال بمعنى مفعول.
وقوله: " إذا غضب، أعرض وأشاح " أي: أقبل.
وقوله: " ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة "، معناه: أن العامة لا تصل إليه في ذلك الوقت، بل يدخل عليه الخاصة، ثم تخبر العامة [ ص: 281 ] بما سمعت من العلوم منه، فكأنه عليه السلام أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة.
وقيل: قوله " بالخاصة "، أي: من الخاصة، أي: يجعل وقت العامة بعد وقت الخاصة الذي يخص به الأهل، فإذا انقضى ذلك الزمان، رد الأمر من الخاصة إلى العامة فأفادهم.
قوله: " يدخلون روادا ".
جمع رائد وهو الطالب، أي: يدخلون عليه طالبين العلم، وملتمسين الحكم من جهته.
قوله: " ولا يفترقون إلا عن ذواق ".
أصل الذواق من الطعم، ولكن ضربه مثلا لما ينالون عنده من الخيرات، قيل: أراد لا يفترقون إلا عن علم يتعلمونه يقوم لهم مقام الطعام والشراب.
وقوله في وصف مجلسه " لا تؤبن فيه الحرم "، أي: لا تذكرن بقبيح، كان مجلسه مصونا عن رفث القول، وفحش الكلام، ومنه قوله عليه السلام في حديث الإفك: أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، أي: اتهموها، والأبن: التهمة، يقال: أبن يأبن: إذا اتهم.
قوله: " لا يقبل الثناء إلا من مكافئ "، قال القتيبي : معناه: أنه إذا أنعم على رجل نعمة، فكافأه بالثناء عليه، قبل منه، وإذا أثنى عليه قبل أن ينعم عليه، لم يقبله.
قال أبو بكر الأنباري: هذا غلط.
لأن أحدا لا ينفك من إنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ الله بعثه إلى الناس كافة، ورحم به، وأنقذ به، فنعمته سابقة إليهم، لا يخرج منها مكافئ، ولا غير مكافئ، هذا فالثناء عليه فرض لا يتم الإسلام إلا به، وإنما المعنى أنه كان لا يقبل الثناء عليه إلا من رجل يعرف حقيقة إسلامه، ولا يدخل عنده في جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم [ ص: 282 ] ما ليس في قلوبهم، فإذا كان المثني عليه بهذه الصفة، قبل ثناؤه، وكان مكافئا ما سلف من نعمة النبي صلى الله عليه وسلم عنده.
قال الأزهري: وفيه قول " ثالث إلا من مكافئ "، أي: مقارن في مدحه غير مجاوز به حد مثله، ولا مقصر به عما رفعه الله إليه، ألا ترى أنه يقول: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله "، فإذا قيل: نبي الله ورسوله، فقد وصف بما لا يجوز أن يوصف به أحد من أمته، فهو مدح مكافئ له.
وقوله: " ولا تنثى فلتاته ".
أي: لا تذاع ولا تشاع فلتاته، أي: زلاته، معناه: لم يكن في مجلسه فلتات فتنثى.
وقوله: " يفتر عن مثل حب الغمام ".
يريد أنه يكشر حتى تبدو أسنانه من غير قهقهة من قولك: فررت الدابة أفرها: إذا كشفت عن أسنانها لتعرفها.
وأراد بحب الغمام: البرد، شبه به بياض أسنانه.