الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 247 ] المسألة الثامنة

          نفي المساواة بين الشيئين كما في قوله تعالى : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ) يقتضي نفي الاستواء في جميع الأمور عند أصحابنا القائلين بالعموم خلافا لأبي حنيفة ، فإنه قال : إذا وقع التفاوت ولو من وجه واحد فقد وفى بالعمل بدلالة اللفظ .

          حجة أصحابنا أنه إذا قال القائل : لا مساواة بين زيد وعمرو فالنفي داخل على مسمى المساواة ، فلو وجدت المساواة من وجه لما كان مسمى المساواة منتفيا ، وهو خلاف مقتضى اللفظ .

          فإن قيل : الاستواء ينقسم إلى الاستواء من كل وجه ، وإلى الاستواء من بعض الوجوه ، ولهذا يصدق قول القائل : استوى زيد وعمرو عند تحقق كل واحد من الأمرين .

          والاستواء مطلقا أعم من الاستواء من كل وجه ، ومن وجه دون وجه ، والنفي إنما دخل على الاستواء الأعم فلا يكون مشعرا بأحد القسمين الخاصين .

          وأيضا فإنه لا يكفي في إطلاق لفظ المساواة الاستواء من بعض الوجوه وإلا لوجب إطلاق لفظ المتساويين على جميع الأشياء ، لأنه ما من شيئين إلا ولا بد من استوائهما في أمر ما ، ولو في نفي ما سواهما عنهما .

          ولو صدق ذلك وجب أن يكذب عليه غير المساوي لتناقضهما عرفا .

          ولهذا فإن من قال : هذا مساو لهذا فمن أراد تكذيبه قال : لا يساويه والمتناقضان لا يصدقان معا ، ويلزم من ذلك أن لا يصدق على شيئين أنهما غير متساويين ، وذلك باطل ، فعلم أنه لا بد في اعتبار المساواة من التساوي من كل وجه .

          وعند ذلك فيكفي في نفي المساواة نفي الاستواء من بعض الوجوه ، لأن نقيض الكلي الموجب جزئي سالب فثبت أن نفي المساواة لا يقتضي نفي المساواة من كل وجه .

          وأيضا فإنه لو كان نفي المساواة يقتضي نفي المساواة من كل وجه لما صدق نفي المساواة حقيقة على شيئين أصلا ، لأنه ما من شيئين إلا وقد استويا في أمر ما كما سبق .

          وهو على خلاف الأصل إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة دون المجاز .

          [ ص: 248 ] والجواب عن الأول أن ذكر الأعم متى لا يكون مشعرا بالأخص إذا كان ذلك في طرف الإثبات أو النفي ؟ الأول مسلم والثاني ممنوع .

          ولهذا فإنه لو قال القائل : ما رأيت حيوانا وكان قد رأى إنسانا أو غيره من أنواع الحيوان ، فإنه يعد كاذبا .

          وعن الثاني لا نسلم أنه لا يكفي في إطلاق لفظ المساواة التساوي من بعض الوجوه .

          قولهم : لو كفى ذلك لوجب إطلاق لفظ المتساويين على جميع الأشياء لما قرر ، مسلم .

          قولهم : يلزم من ذلك أن يكذب عليه غير المساوي ، وهو باطل بما قرر .

          فهو مقابل بمثله ، وهو أن يقال : لا يكفي في إطلاق نفي المساواة نفي المساواة من بعض الوجوه ، وإلا لوجب إطلاق نفي المساواة على كل شيئين لأنه ما من شيئين إلا وقد تفاوتا من وجه ضرورة تعينهما ، ولو صدق ذلك لوجب أن يكذب عليه المساوي لتناقضهما عرفا .

          ولهذا فإن من قال : هذا غير مساو لهذا فمن أراد تكذيبه قال : إنه مساو له ، والمتناقضان لا يصدقان معا .

          ويلزم من ذلك أن لا يصدق على شيئين أنهما متساويان ، وذلك باطل ، فإنه ما من شيئين إلا ولا بد من استوائهما ، ولو في نفي ما سواهما عنهما ، فعلم أنه لا بد في اعتبار نفي المساواة من نفي المساواة من كل وجه .

          وعند ذلك فيكفي في إثبات المساواة المساواة من بعض الوجوه ، لأن نقيض الكلي السالب جزئي موجب .

          وفيه إبطال ما ذكر من عدم الاكتفاء في إطلاق لفظ المساواة بالمساواة من وجه .

          وإذا تقابل الأمران سلم لنا ما ذكرناه أولا .

          وعن الثالث لا نسلم صدق نفي المساواة مطلقا على ما وقع التساوي بينهما من وجه .

          قولهم : الأصل في الإطلاق الحقيقة ، قلنا : إلا أن يدل الدليل على مخالفته .

          ودليله ما ذكرناه .

          وفي معنى نفي المساواة قوله تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية