[ ص: 308 ] المسألة الخامسة
مذهب أصحابنا أن خلافا الاستثناء من الإثبات نفي ، ومن النفي إثبات لأبي حنيفة .
ودليلنا في ذلك أن القائل إذا قال : لا إله إلا الله كان موحدا مثبتا للألوهية لله - سبحانه وتعالى - ونافيا لها عما سواه .
ولو كان نافيا للألوهية عما سوى الرب - تعالى - غير مثبت لها بالنسبة إلى الرب - تعالى - لما كان ذلك توحيدا لله - تعالى - لعدم إشعار لفظه بإثبات الألوهية لله - تعالى - وذلك خلاف الإجماع .
وأيضا فإنه إذا قال القائل : لا عالم في البلد إلا زيد كان ذلك من أدل الألفاظ على علم زيد وفضيلته ، وكان ذلك متبادرا إلى فهم كل سامع لغوي ، ولو كان نافيا للعلم عما سوى زيد ، غير مثبت للعلم لزيد لما كان كذلك .
وعلى هذا النحو في كل ما هو من هذا القبيل .
فإن قيل : لو كان الاستثناء من النفي إثباتا لكان قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي ولا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء " مقتضيا تحقق الصلاة عند وجود الطهور ، والنكاح عند وجود الولي ، والبيع عند المساواة ، ولما لم يكن كذلك علم أن المراد بالاستثناء إخراج المستثنى عن دخوله في المستثنى منه ، وأنه غير متعرض لنفيه ولا إثباته .
قلنا : الطهور والولي والمساواة لا يصدق عليه اسم ما استثني منه فكان استثناء من غير الجنس ، وهو باطل بما تقدم ، وإنما سيق ذلك لبيان اشتراط الطهور في الصلاة ، والولي في النكاح ، والمساواة في صحة بيع البر بالبر .
والشرط وإن لزم من فواته فوات المشروط ، فلا يلزم من وجوده وجود المشروط لجواز انتفاء المقتضي أو فوات شرط آخر أو وجود مانع ، والله أعلم .