الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 248 ] القسم الثالث : في شروط الفرع وهي خمسة :

          الشرط الأول : أن يكون خاليا عن معارض راجح يقتضي نقيض ما اقتضته علة القياس ، على رأي القائلين بجواز تخصيص العلة ليكون القياس مفيدا .

          الشرط الثاني : أن تكون العلة الموجودة فيه مشاركة لعلة الأصل : إما في عينها كتعليل تحريم شرب النبيذ بالشدة المطربة المشتركة بينه وبين الخمر ، أو في جنسها كتعليل وجوب القصاص في الأطراف بجامع الجناية المشتركة بين القطع والقتل ; لأن القياس على ما تقدم إنما هو تعدية حكم الأصل إلى الفرع بواسطة علة الأصل ، فإذا لم تكن علة الفرع مشاركة لها في صفة عمومها ولا خصوصها فلم تكن [1] علة الأصل في الفرع ، فلا يمكن تعدية حكم الأصل إلى الفرع .

          الشرط الثالث : أن يكون الحكم في الفرع مماثلا لحكم الأصل في عينه ، كوجوب القصاص في النفس المشترك بين المثقل والمحدد ، أو جنسه كإثبات الولاية على الصغيرة في نكاحها قياسا على إثبات الولاية في مالها ، فإن المشترك بينهما إنما هو جنس الولاية لا عينها ، ولو لم يكن كذلك لكان القياس باطلا ; وذلك لأن شرع الأحكام لم يكن مطلوبا لذاته بل إليه من مقاصد العبد ، وسواء ظهر المقصود أم لم يظهر فإن كان حكم الفرع مماثلا لحكم الأصل علمنا أن ما يحصل به من المقصود مثل ما يحصل من حكم الأصل ضرورة اتحاد الوسيلة فيجب إثباته .

          وأما إذا كان حكم الفرع مخالفا لحكم الأصل مع أنه الوسيلة إلى تحصيل المقصود ، فإفضاؤه إلى الحكمة المطلوبة يجب أن يكون مخالفا لإفضاء حكم الأصل إليها ، والمخالفة بينهما من الإفضاء إما أن تكون بزيادة في إفضاء حكم الأصل إليها أو في إفضاء حكم الفرع .

          فإن كان الأول ، فلا يلزم من شرع الحكم في الأصل رعاية الأصل المقصود وزيادة الإفضاء إليه شرع حكم الفرع تحصيلا لأصل المقصود دون زيادة الإفضاء إليه ; لأن زيادة الإفضاء إلى المقصود مقصودة في نظر العقلاء وأهل العرف .

          [ ص: 249 ] وإن كان الثاني ، فهو ممتنع لأنا أجمعنا على امتناع ثبوت مثل حكم الفرع في الأصل .

          وعند ذلك فتنصيص الشارع على حكم الأصل دون حكم الفرع يدل على أن حكم الأصل أفضى إلى المقصود من حكم الفرع ، وإلا فلو كان حكم الفرع أفضى إلى المقصود من حكم الأصل لكان أولى بالتنصيص عليه .

          فإن قيل : ما ذكرتموه فرع تصور الاختلاف في الأحكام الشرعية وليس كذلك ، وذلك لأن حكم الله هو كلامه وخطابه ، وذلك مما لا اختلاف فيه وإنما الاختلاف في تعلقاته ومتعلقاته ، وحكم الشارع بالوجوب لا يخالف حكمه بالتحريم من حيث هو حكم الله وكلامه ، وإن وقع الاختلاف في أمر خارج كالذم على الفعل ، والذم على الترك بسبب اختلاف محل الخطاب .

          ولا يخفى أن اختلاف محل الخطاب غير موجود لاختلاف الحكم في نفسه ، بدليل اشتراك الصوم والصلاة في حكم الوجوب ، والقتل والزنى في التحريم .

          [2] [ ص: 250 ] وإن سلمنا تصور الاختلاف في نفس الحكم الشرعي ، ولكن ما المانع أن يكون إفضاء حكم الفرع إلى المقصود أتم من إفضاء حكم الأصل إليه .

          قولكم : لو كان كذلك لكان التنصيص عليه في الأصل أولى ، إنما يلزم أن لو لم تكن فائدة التنصيص على حكم الأصل لقصد التنبيه بالأدنى على الأعلى .

          وبتقدير أن لا يكون ذلك مقصودا للشارع ، فإنما لم ينص عليه لاحتمال أن يكون ذلك لمانع مختص به لا وجود له في حكم الأصل .

          والجواب عن السؤال الأول : أنه ليس حكم الشارع عبارة عن مطلق كلامه وخطابه ليصح ما قيل ، بل الخطاب المقيد بتعلق خاص كما بيناه في حد الحكم .

          وإذا كان التعلق داخلا في مفهوم الحكم فالمتعلقات مختلفة ويلزم من اختلافها اختلاف الأحكام .

          وعن الثاني : أنه لو كانت فائدة تخصيص حكم الأصل بالتنصيص عليه التنبيه به على حكم الفرع لكان حكم الفرع ثابتا بمفهوم الموافقة لا بالقياس ، ولجاز إثباته في الأصل وهو ممتنع .

          قولهم : إنما لم ينص عليه لاحتمال اختصاصه بمانع .

          قلنا : المانع إما أن يكون من لوازم صورة الأصل أو من لوازم مثل حكم الفرع ، أو من لوازم اجتماع الأمرين .

          فإن كان الأول ، فيلزم منه امتناع إثبات حكم الأصل في الأصل بطريق الأولى ضرورة كون مقصوده أدنى من مقصود حكم الفرع على ما وقع به الفرض .

          وإن كان الثاني ، فيلزم منه امتناع ثبوته في الفرع أيضا ضرورة أن ما هو المانع من إثباته في الأصل من لوازم نفس ذلك الحكم .

          وإن كان الثالث ، فالأصل عدمه .

          الشرط الرابع : أن لا يكون حكم الفرع منصوصا عليه وإلا ففيه قياس [ ص: 251 ] المنصوص على المنصوص ، وليس أحدهما بالقياس على الآخر أولى من العكس .

          وهذا مما لا نعرف خلافا بين الأصوليين في اشتراطه .

          الشرط الخامس : أن لا يكون حكم الفرع متقدما على حكم الأصل ، وذلك كما لو قاس الشافعي الوضوء على التيمم في الافتقار إلى النية ; لأنه يلزم منه أن يكون الحكم في الفرع ثابتا قبل كون العلة الجامعة في قياسه علة ، ضرورة كونها مستنبطة من حكم متأخر عنه ، اللهم إلا أن يذكر ذلك بطريق الإلزام للخصم لا بطريق مأخذ القياس .

          وقد شرط قوم أن يكون الحكم في الفرع ثابتا بالنص جملة لا تفصيلا ، وهو باطل فإن الصحابة قاسوا قوله : ( أنت علي حرام ) على الطلاق واليمين والظهار ، ولم يوجد في الفرع نص لا جملة ولا تفصيلا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية