الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 73 ] الاعتراض الثالث ، فساد الوضع

          واعلم أن صحة وضع القياس أن يكون على هيئة صالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه ، وفساد الوضع لا يكون على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم .

          وقد مثله الفقهاء بما تلقي الحكم فيه من مقابله ، كتلقي التضييق من التوسيع والتخفيف من التغليظ والإثبات من النفي وبالعكس .

          وأن يكون ما جعله علة للحكم مشعرا بنقيض الحكم المرتب عليه ، وذلك كقولهم في النكاح بلفظ الهبة : لفظ ينعقد به غير النكاح فلا ينعقد به النكاح فإنه من حيث إنه ينعقد به غير النكاح يقتضي انعقاد النكاح به ، لا عدم الانعقاد لأن الاعتبار يقتضي الاعتبار لا عدم الاعتبار [1] .

          ومن ذلك قولهم مسح فيسن فيه التكرار وكمسح الاستطابة فإن المناط كونه مسحا والمسح تخفيف والتخفيف يشعر بالتخفيف ، والتكرار تثقيل .

          وعلى هذا فكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار ، وليس كل فاسد الاعتبار يكون فاسد الوضع ; لأن القياس قد يكون صحيح الوضع وإن كان اعتباره فاسدا بالنظر إلى أمر خارج ، كما سبق تقريره .

          ولهذا وجب تقديم سؤال فساد الاعتبار على سؤال فساد الوضع ; لأن النظر في الأعم يجب أن يتقدم على النظر في الأخص لكون الأخص مشتملا على ما اشتمل عليه الأعم وزيادة .

          وإذا عرف ما قررناه في سؤال فساد الوضع ، فلقائل أن يقول : اقتضاء الوصف لنقيض الحكم المرتب عليه ، إما أن يدعي أنه ( يراد به اقتضاؤه له أنه مناسب نقيض الحكم على ما هو إشعار اللفظ ، وإما اعتبار الوصف في نقيض الحكم في صوره كما قاله بعض المتأخرين .

          فإن كان الأول فإما أن يدعي ) أنه مناسب لنقيض الحكم من الجهة التي تمسك بها المستدل ، أو من جهة أخرى . [ ص: 74 ] فإن كان ذلك من الجهة التي تمسك بها المستدل ; فيلزم منه أن يكون وصف المستدل غير مناسب لحكمه ضرورة أن الوصف الواحد لا يناسب حكمين متقابلين من جهة واحدة ، ولكن يرجع حاصله إلى القدح في المناسبة وعدم التأثير لا أنه سؤال آخر .

          وإن كان ذلك من جهة أخرى ، فلا يمتنع مناسبة وصف المستدل لحكمه من الجهة التي تمسك بها ( ويرجع حاصله إلى سؤال الاشتراك في الدلالة وهو حقيقة المعارضة ; لأنه سؤال آخر ، وإن أريد باقتضائه لنقيض الحكم اعتباره في نقيض الحكم .

          فلا يخلو إما أن يكون معتبرا في نقيض الحكم من الجهة التي تمسك بها المستدل أو من جهة أخرى ، فإن كان من جهة أخرى فلا يقدح في اعتباره في حكم المستدل من جهته فإنه جاز أن يعتبر الوصف الواحد في حكمين متقابلين يكون من جهتين كالصلاة في الدار المغصوبة ، وإن كان معتبرا في نقيض الحكم من الجهة التي تمسك بها المستدل فإنه وإن منع من اعتباره في حكم المستدل ضرورة امتناع اعتباره من جهة واحدة في حكمين متقابلين ، غير أن حاصله يرجع إلى سؤال القلب كما يأتي تحقيقه ، وسواء كان اعتباره في نقيض الحكم متفقا عليه أو ثابتا بالدليل لا أنه سؤال آخر ، وقد يشبه بسؤال النقض من وجه آخر من حيث أنا وجدنا العلة في صورة مع انتفاء الحكم لكن مع مزيد وهو كون العلة في صورة النقيض هو علة النقيض ، وجوابه من وجهين الأول مع اقتضاء الوصف لنقيض الحكم والقدح فيما أبداه المعترض ، الثاني أن نسلم ذلك ونبين أنه يقتضي الحكم الذي قصده من جهة أخرى ) [2] ثم لا يخلو : إما أن تكون جهة المناسبة لنقيض الحكم معتبرة في صوره ، أو غير معتبرة ، فإن لم تكن معتبرة كان ما يبديه المستدل من جهة المناسبة كافيا في دفع السؤال ضرورة كونها معتبرة ، ومناسبة المعترض غير معتبرة ، وإن كانت مناسبة المعترض معتبرة فإن أورد المعترض ما ذكره في معرض المعارضة فقد انتقل عن سؤاله الأول إلى سؤال المعارضة ، ووجب على المستدل الترجيح لما ذكره ضرورة التساوي في المناسبة والاعتبار ، وإن لم يورد ذلك في معرض المعارضة وبقي مصرا على السؤال الأول فلا يحتاج المستدل إلى الترجيح لكونه خاصا بالمعارضة ، وهذا من مستحسنات صناعة الجدل فليتأمل .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية