الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 219 ] المسألة الثانية عشرة

          اختلفوا في النافي هل عليه دليل أو لا ؟ .

          منهم من قال : لا دليل عليه ، وسواء كان ذلك من القضايا العقلية أو الشرعية .

          ومنهم من أوجب ذلك عليه في الموضعين .

          ومنهم من أوجبه عليه في القضايا العقلية دون الشرعية .

          والمختار إنما هو التفصيل ، وهو أن النافي إما أن يكون نافيا بمعنى ادعائه عدم علمه بذلك وظنه ، أو مدعيا للعلم أو الظن بالنفي .

          فإن كان الأول : فالجاهل لا يطالب بالدليل على جهله ، ولا يلزمه ذلك ، كما لا يطالب على دعواه أني لست أجد ألما ولا جوعا ولا حرا ولا بردا ، إلى غير ذلك .

          وإن كان الثاني : فلا يخلو إما أن يدعي العلم بنفي ما نفاه ضرورة ، أو لا بطريق الضرورة .

          فإن كان الأول : فلا دليل عليه أيضا ; لأنه إن كان صادقا في دعوى الضرورة ، فالضروري لا يطالب بالدليل عليه ، وإن لم يكن صادقا في دعواه الضرورة فلا يطالب بالدليل عليه أيضا ، فإنه ما ادعى حصوله له عن نظر ، ويكفي المنع في انقطاعه حيث إنه لا يقدر الضرورة في ذلك ، والنظر غير مدع له ، وإن ادعى العلم بنفيه لا بطريق الضرورة فلا يخلو : إما أن لا يكون قد حصل له بطريق مفض إليه ، أو يكون بطريق مفض إليه ، لا جائز أن يقال بالأول ; لأن حصول علم غير ضروري من غير طريق يفضي إليه محال .

          وإن كان الثاني : فلا بد عند الدعوى والمطالبة بدليلها من ذكره وكشفه لينظر فيه ، وإلا كان قد كتم علما نافعا مست الحاجة إلى إظهاره ، ودخل تحت قوله عليه السلام : " من كتم علما نافعا فقد تبوأ مقعده من النار " ولأنه لا فرق في ذلك في دعوى الإثبات والنفي [1] ، وقد وجب على مدعي الإثبات ذكر الدليل ، فكذلك في دعوى النفي ، كيف وإن الإجماع منعقد على أن من ادعى الوحدانية لله تعالى وقدمه [2] [ ص: 220 ] أنه يجب عليه إقامة الدليل ، وإن كان حاصل دعوى الوحدانية نفي الشريك وحاصل دعوى القدم نفي الحدوث والأولية ، ولهذا نبه الله تعالى على نفي آلهة غير الله على الدليل في قوله تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الآية .

          فإن قيل : فماذا تقولون فيما إذا ادعى رجل أنه نبي ولم تقم على دعواه بينة ، هل يلزم المنكرين لنبوته إقامة الدليل على أنه ليس بنبي أو لا يلزم .

          وكذلك من أنكر وجوب صلاة سادسة أو صوم شوال أو المدعى عليه بحق إذا أنكر ما ادعي عليه به ، هل يلزمه إقامة الدليل على ما نفاه أو لا ؟ إن قلتم بالأول فهو خلاف الإجماع ، وإن قلتم بالثاني مع كونه نافيا في قضية غير ضرورية فقد سلمتم محل النزاع .

          قلنا : النفي في جميع هذه الصور لم يخل عن دليل يدل على النفي ، غير أنه قد يكتفى بظهوره عن ذكره ، وهو البقاء على النفي الأصلي واستصحاب الحال مع عدم القاطع له ، وهو ما يدل على النبوة ، وما يدل على وجوب صلاة سادسة ، وعلى وجوب صوم شوال وشغل الذمة .

          وإذا قيل : إن النافي عليه دليل ، فالدليل المساعد في ذلك إما نص وارد من الشارع يدل على النفي أو إجماع من الأمة ، وإما التمسك باستصحاب النفي الأصلي ، وعدم الدليل المغير القاطع ، وإما الاستدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم .

          وهل يمكن الاستدلال على النفي بالقياس الشرعي ؟ اختلفوا فيه [3] بناء على الاختلاف في جواز تخصيص العلة ، ولا فرق في ذلك بين قياس العلة والدلالة ، والقياس في معنى الأصل .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية