حافظوا على الصلوات ) تأويل قوله تعالى : (
قال الله - عز وجل - : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فلم نحتج إلى ذكر الصلاة الوسطى في هذا الموضع أي الصلوات هي ؟ إذ لا حكم في ذلك يحتاج إلى ذكره مع أنا قد بينا المعنى في ذلك ، وذكرنا الروايات فيه في كتاب شرح معاني الآثار .
وأما قوله : ( وقوموا لله قانتين ) فهو من المتشابه الذي يحتاج إلى علم المراد به ما هو ؟ وذلك أن القنوت قد جرى في كتاب الله تعالى على لسانه - صلى الله عليه وسلم - على معاني مختلفة .
فمنها قول الله - عز وجل - لأمهات المؤمنين : ( ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا ) فذلك في معنى قوله : " ومن يطع منكن الله ورسوله " .
ومن ذلك قوله في كتابه : ( يا مريم اقنتي لربك ) على ظاهر معناه القيام في الصلاة ، [ ص: 212 ] لأنه مع الركوع والسجود اللذين يكونان في الصلاة .
ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " .
395 - حدثناه قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا شجاع بن الوليد ، عن سليمان بن مهران ، عن أبي سفيان ، جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
396 - وحدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
397 - حدثناه قال : حدثنا علي بن معبد ، عن حجاج بن محمد ، قال : أخبرني ابن جريج ، عثمان بن أبي سليمان ، عن علي الأودي ، عن عن عبيد بن عمير ، عبد الله بن حبشي الحنفي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فلما احتمل القنوت في الآية التي تلونا ما ذكرنا ، ولم نجد في كتاب الله - عز وجل - ما يدلنا على المراد به ، طلبناه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
398 - فحدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا وحدثنا يزيد بن هارون ، قال : سمعت حسين بن نصر ، ثم اجتمعا ، فقالا : أخبرنا يزيد بن هارون ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، الحارث بن شبيل ، عن أبي عمرو الشيباني ، قال : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت : ( زيد بن أرقم ، حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) ، فأمرنا بالسكوت . عن
ففي هذا الحديث ما يدل على أن المراد بالقنوت في الآية التي تلونا ولما هو بهم ، من أمورهم . النهي عن الكلام الذي كانوا يتكلمون به في الصلاة لحوائجهم
399 - كما حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، مؤمل ، قال : حدثنا قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ، قال : أبي وائل ، قال عبد الله : ونقول : السلام على الله ، وعلى كنا نتكلم في الصلاة ونأمر بالحاجة ، جبريل ، وعلى ميكائيل ، وكل عبد صالح نعلم اسمه في السماء والأرض ، " . [ ص: 213 ] فقدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحبشة ، وهو يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد ، فأخذني ما قدم وما حدث .
فلما قضى صلاته صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله ، نزل في شيء ؟ قال : " لا ، ولكن الله - عز وجل - يحدث من أمره ما يشاء " .
400 - وكما حدثنا يحيى بن إسماعيل المزني ، قال : حدثنا قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عاصم ، أبي وائل ، عن رضي الله عنه - ، قال : " كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة قبل أن نأتي أرض ابن مسعود - الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة ، فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لأسلم عليه فوجدته يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد علي .
قال : فأخذني ما قرب وما بعد ، فجلست حتى إذا قضى الصلاة ، قال : " . إن الله - عز وجل - يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث أنه قضى ألا تتكلموا في الصلاة
ففي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود : " وإن مما أحدث أنه قضى ألا تتكلموا في الصلاة دليل عندنا ، والله أعلم .
إن الذي أحدث من ذلك هو مما أنزله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالآية التي تلونا على ما في حديث الذي روينا ، لأن زيد بن أرقم زيدا قد أخبر أن سبب النهي نزول تلك الآية عليه - صلى الله عليه وسلم - .
ولما ثبت نسخ الكلام في الصلاة بعد أن كان مباحا فيها ، ثبت أنه لا يصلح أن نتكلم في الصلاة بذلك الكلام المنسوخ منها ، وأن يكون المتكلم به فيها قاطعا لها وخارجا منها ، وأن يستوي في ذلك العمد والسهو جميعا كما يستويان فيمن صلاها قبل الوقت الذي أمرنا بالصلاة فيه متعمدا أو ساهيا ، وكما يستويان فيمن صلاها على غير طهارة متعمدا أو ساهيا وكما يستويان فيمن أحدث فيها حدثا من الأحداث التي تقطعها متعمدا أو ساهيا .
هكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يقولون في الكلام وفي الصلاة المنسوخ منها إنه يقطعها من المتكلم إذا كان ساهيا كما يقطعها منه لو كان متعمدا ، غير السلام منها على السهو في الموضع الذي لو كان السلام فيه على العمد قطع الصلاة مثل أن يسلم من اثنين ساهيا ، فإنه عندهم غير قاطع لها .
وقد خالفهم في ذلك مخالفون ، فقالوا : يقطعها السلام على السهو كما يقطعها لو كان على العمد . وهذا هو القياس عندنا للمعاني التي قدمنا ذكرها في استواء حكم العمد والسهو جميعا فيها [ ص: 214 ] .