105 - فقد قال إنا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى ، ولا نستطيع أن نحكي كلام عبد الله بن المبارك : الجهمية ، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا [ ص: 140 ] . وزعم الجهمي أن الله لا يخلو منه مكان ، وقد أكذبه الله تعالى ، ألم تسمع إلى قوله :
فيقال للجهمي : أرأيت الجبل حين تجلى له ؟ وكيف تجلى للجبل وهو في الجبل ؟
وقال الله تعالى : وأشرقت الأرض بنور ربها .
فيقال للجهمي : هل الله نور ؟ فيقول : هو نور كله ، قيل له : فالله في كل مكان ؟ قال : نعم ، قلنا : فما بال البيت المظلم لا يضيء من النور الذي هو فيه ، ونحن نرى سراجا فيه فتيلة يدخل البيت المظلم فيضيء ؟ ، فما بال الموضع المظلم يحل الله تعالى فيه بزعمكم ، فلا يضيء ؟ فعندها يتبين لك كذب الجهمي ، وعظيم فريته على ربه ، ويقال للجهمي : أليس قد كان الله ولا خلق ؟ فيقول : نعم ، فيقال له : فحين خلق الخلق أين خلقهم وقد زعمت أنه لا يخلو منه مكان ؟ أخلقهم في نفسه ؟ أو خارجا من نفسه ؟ فعندها يتبين لك كفر الجهمي ، وأنه لا حيلة له في الجواب ؛ لأنه إن قال : خلق الخلق في نفسه . [ ص: 141 ]
كفر وزعم أن الله خلق الجن ، والإنس ، والأبالسة ، والشياطين ، والقردة والخنازير ، والأقذار والأنتان في نفسه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وإن زعم أنه خلقهم خارجا من نفسه ، فقد اعترف أن ها هنا أمكنة قد خلت منه .
ويقال للجهمي في قوله : إن الله في كل مكان : أخبرنا هل تطلع عليه الشمس إذا طلعت ؟ وهل يصيبه الريح ، والثلج ، والبرد ؟ ، ولو أن رجلا أراد أن يبني بناء أو يحفر بئرا ، أو يلقي قذرا لكان إنما يلقي ذلك ويصنعه في ربه ؟ فجل ربنا وتعالى عما يصفه به الملحدون ، وينسبه إليه الزائغون ، لكنا نقول : إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن ، وأعلى عليين ، قد استوى على عرشه فوق سماواته ، وعلمه محيط بجميع خلقه ، يعلم ما نأى كما يعلم ما دنا ، ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى .