سُقْيًا لِحُلْوَانَ ذِي الْكُرُومِ وَمَا صُنِّفَ مِنْ تِينِهِ وَمِنْ عِنَبِهِ
فَالتَّأْلِيفُ لِكَوْنِهِ مُطْلَقَ الضَّمِّ أَعَمُّ مِنْ التَّصْنِيفِ لِكَوْنِهِ جَعَلَ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ التَّأْلِيفُ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إلَى جَمْعِ كَلَامِ الْغَيْرِ وَضَمِّهِ فَحَسْبُ وَالتَّصْنِيفُ إبْرَازُ صِفَاتِ الْمَعَانِي وَإِثْبَاتُ الْأَفْكَارِ الْغَرِيبَةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَالْمُؤَلِّفُ مَنْ يَجْمَعُ كَلَامَ غَيْرِهِ وَيَضُمُّهُ بِإِيقَاعِ الْأُلْفَةِ مِنْ غَيْرِ ابْتِكَارِ مَعْنَى مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاضِعُ الْعِلْمِ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَمَا تَحْتَهُ مِمَّا فِي الظَّنِّ وَالْيَقِينِ نَوْعٌ فَوَاضِعُ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ الْمَقْصُودَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالِ شَيْءٍ أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ وَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا وَقِيلَ لِوَاضِعِهِ صَنَّفَ الْعِلْمَ أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا مُتَنَاسِبًا فَهُوَ بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ أُوَفِّقُ . [ ص: 30 ]وَإِذَا طَلَبْت الْعِلْمَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ حِمْلٌ فَأَبْصِرْ أَيَّ شَيْءٍ تَحْمِلُ
وَإِذَا عَلِمْت بِأَنَّهُ مُتَفَاضِلٌ فَاشْغَلْ فُؤَادَك بِاَلَّذِي هُوَ أَفْضَلُ
لَسْنَا نُسَمِّيك إجْلَالًا وَتَكْرِمَةً وَقَدْرُك الْمُعْتَلِي عَنْ ذَاكَ يَكْفِينَا
سقيا لحلوان ذي الكروم وما صنف من تينه ومن عنبه
فالتأليف لكونه مطلق الضم أعم من التصنيف لكونه جعل كل صنف على حدة ولهذا قال بعضهم التأليف يرجع معناه إلى جمع كلام الغير وضمه فحسب والتصنيف إبراز صفات المعاني وإثبات الأفكار الغريبة على وجه لم يسبق إليه والمؤلف من يجمع كلام غيره ويضمه بإيقاع الألفة من غير ابتكار معنى من عنده وقال بعضهم واضع العلم أولى باسم المصنف من المؤلف وإن صح أيضا فيه لأن العلم مطلقا بمعنى الإدراك جنس وما تحته مما في الظن واليقين نوع فواضع العلم لما لاحظ الغاية المقصودة له فوجدها تترتب على العلم بأحوال شيء أو أشياء من جهة خاصة وضعه ليبحث عنه من تلك الجهة فقيد ذلك النوع من العلم بعارض كلي فصار صنفا وقيل لواضعه صنف العلم أي جعله صنفا متناسبا فهو باسم المصنف أوفق . [ ص: 30 ]وإذا طلبت العلم فاعلم أنه حمل فأبصر أي شيء تحمل
وإذا علمت بأنه متفاضل فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل
لسنا نسميك إجلالا وتكرمة وقدرك المعتلي عن ذاك يكفينا