الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                11 - وتمامه فيه من الشهادات وفي إقرار البزازية : ادعى مالا فقال المدعى عليه : كل ما يوجد في تذكرة المدعي بخطه فقد التزمته ، [ ص: 310 - 314 ] لا يكون إقرارا .

                وكذا لو قال : ما كان في جريدتك فعلي ، إلا إذا كان في الجريدة شيء معلوم ، أو ذكر المدعي شيئا معلوما . 13 - فقال المدعى عليه : ما ذكرنا .

                14 - كان تصديقا 15 - ; لأن التصديق لا يلحق بالمجهول ، وكذا إذا أشار إلى الجريدة وقال : ما فيها فهو علي ، كذلك يصح ، ولو لم يكن مشارا إليه لا يصح للجهالة ( انتهى ) .

                من عليه حق إذا امتنع عن قضائه فإنه لا يضرب

                التالي السابق


                ( 11 ) قوله : وتمامه فيه من الشهادة . حاصل ما ذكره الفرق بين هذه المسألة والشهادة على الخط أنه لا يلزم من كتابة الشاهد خطه بقاؤه على شهادته لاحتمال رجوعه ; ولأنه ما لم يؤد يصير واضع شهادته ملزما حتى لو قال : هو خطي ، ولا أشهد به لا [ ص: 310 ] يلزمه ، بخلاف الصراف ; لأنه لو اعترف بالخط وأنكر لا يقبل منه سيما والعادة وضع التجار أموالهم عند الصرافين بلا إشهاد بل يكتفى بخطه والخط والدراهم عند الصراف محتفظ عليهما فيؤمن من التزوير ; ولأنه يبعد أن يصنع الإنسان خطه في دراهم عنده إنها لغيره ، والأمر بخلافه ( انتهى ) .

                وتعقبه المرحوم قاضي القضاة عبد البر بن الشحنة في شرحه بأن هذا الفرق فيه ما يقبل وفيه ما يرد ; لأنه لو أنكر الصراف كونه مشغول الذمة أو اليد مما كتبه بخطه لم يقبل منه سيما ، وقد جرت العادة بالكتابة قبل القبض .

                ثم قال : وقد ألفت في مسألة الشهادات على الخط كراسة مهمة يجب الاعتناء بها تشتمل على تحرير المذهب في المسألة ( انتهى ) .

                وحاصل ما اشتملت عليه تلك الكراسة أنه رفع اليد سؤال عن مستند بطريق الشهادات على الخط عند حاكم مالكي المذهب ، وحكم به مستوفيا الشرائط الشرعية ، ونفذه حاكم حنبلي يرى جوازه ، وصرح في تنفيذه بأنه قضى به وأمضاه ، وأنه طلب من الحنفي تنفيذ حكم الحنبلي فامتنع من ذلك مستندا إلى أنه لا ينفذ ، وأن ذلك منقول عنده ، وطلب منه الجواب عن امتناعه هل له وجه أم لا ؟ وهل ينفذ هذا الحكم عند الحنفية أم لا ؟ فأجاب بعد تقديم مقدمة ، وهي أن علماءنا قسموا الحكم بثلاثة أقسام قسم يرد بكل حال ، وهو ما خالف قطعي الكتاب كالحكم بحل زوجة الأب أو موطوءته بملك يمين ; لأنه مخالف لقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } والسنة المشهورة والإجماع وقسم يمضي بكل حال ، وهو الحكم في محل الاجتهاد وأمثلته كثيرة وقسم ثالث اختلفوا فيه ، وهو الحكم المجتهد فيه ، وهو ما يقع الخلاف فيه بعد وجود الحكم .

                فقال بعضهم : ينفذ وقال بعضهم : يتوقف على إمضاء قاض آخر .

                وذكر أن جده شيخ الإسلام وكان ختام الأئمة الحنفية قضى به بيانا لترجيحه لنفوذه دون توقف ثم قال : فإذا تمهد هذا علم أن الحكم المسئول عنه ليس من القسم الأول قطعا بل هو دائر بين الثاني والثالث ، وأقصى ما يمكن أن يدعى فيه أنه من الثالث ، وقد قضى به حنبلي ، وأجاد حيث صرح في التنفيذ بأنه قضى به وأمضاه فكان حكم الحنبلي واقعا في محل مجتهد فيه فينفذ بالاتفاق ، فلا وجه لتوقف الحنفي حينئذ [ ص: 311 ] على أن للمدعي أن يدعي أنه من القسم الثاني ; لأن الاختلاف ، إنما هو في كون الخط حجة للقضاء كما قالوا في القضاء بشهادة المحدود في القذف وفي القضاء على الغائب أن البينة بدون خصم هل تكون حجة القضاء ؟ وذكر أن الفيصل في هذه المسألة ما روى محمد بن الشجن أن كل شيء اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه .

                قال أبو الليث رحمه الله : وبه نأخذ .

                إلى هنا ما أجاب به ثم ذكر أنه طلب من القاضي الحنفي ما استند إليه من النقل فذكر أنه ما في آداب القضاء للخصاف من مسألة القضاء بشهادة رجل يشهد على خطابية ومن تداولها بعده من المصنفين وأكثر من الاحتجاج بقول الزيلعي ولو نفذه ألف قاض .

                ورده بأن هذه المسألة ليست المسألة المسئول عنها وتمسكه بها باطل . ووجه ذلك بالنقل والجري على القواعد والاستظهار بالفروع المنقولة في المذهب ، وذلك أن العبارات المنقولة عن محمد ليس فيها نص صريح على أن هذه القضية لا تنفذ بعد تنفيذ قاض آخر ، بل هي قاصرة على أن من لم يرها إذا رفعت إليه نفذ ساكتا عن حالها بعد أن ينفذها من يراها صحيحة جائزة .

                وهذا في غاية الظهور ، وعلى سبيل النزول والتسليم فليست هذه مسألة الشهادة على الخط المعروفة عند السادة المالكية والحنابلة .

                ويستند في ذلك إلى وجوه : الأول أن المفهوم في كلام الأصحاب حجة وعدم التنفيذ بخط أبيه مفهومه النفاذ إذا لم يكن بخط أبيه لما في ذلك من تهمة الولد بقصد تشييد خط أبيه وإرادة نفاذه والعمل به بعد موته لمعنى ثابت بين الأبوة والبنوة كما لا يخفى ، فلا يقال : إذا ثبت في الابن العارف بخط أبيه ففي الغير من باب أولى لانتفاء ما ذكرنا ; ولأنه لو أراد الشمول لقال : على خط غيره . فيدخل الولد فيه ولا يقال : إن هذا القيد في كلام هذا الإمام .

                لا يخفى بل يجب حمله على معنى صحيح ، والثاني على سبيل النزول أيضا . فهذا إنما لا ينفذ ; لأنه قضاء بشهادة شاهد واحد وشهادة الواحد مجردة عن شيء آخر لا تكون حجة للقضاء بالإجماع ، فكان قولا مهجورا لا يعول عليه ، والثالث : القاضي على الخصم ، في هذه المسألة ما ذكره الحسام في شرحه على أدب القاضي للخصاف حيث قال : وصورته أن الرجل إذا مات فوجد ابنه خط أبيه في صك علم يقينا أنه خط أبيه فإنه يشهد بذلك الصك ; لأن الابن خليفة الميت في جميع الأشياء .

                لكن هذا قول [ ص: 312 ] مهجور فلا يعتبر بمقابلة قول الجمهور من العلماء وكتاب الله { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } وهو لا يعلم ، فإذا قضى القاضي بذلك كان القضاء باطلا فإذا وقع إلى قاض آخر كان له أن ينقضه فإنه صريح في أن المراد أنه يشهد بما يشهد به خط أبيه لا أنه يشهد بأن هذا خط أبيه ، فإنه علم يقينا أنه خط أبيه ، وعلل بأن الابن يكون خليفة الميت في كل شيء ، يعني فيكون خليفة في أن يشهد بما يشهد به أبوه إذ لا مدخل لهذا التعليل هنا إلا على هذا الوجه .

                ولا شك أنه لا مدخل للخلاف في شهادة الغير على الخط حتى يستوي مع الابن فيها وبها ينفصل الابن عن الأجنبي .

                وأيضا قوله : وهو لا يعلم لا يصح مع قوله علم يقينا أنه خط أبيه ، إلا أن يكون الابن شهد بما شهد به أبوه ; لأنه الذي لا يعلمه ; لأن الخط قد فرض أنه علم يقينا أنه خط أبيه ، فظهر أن هذه المسألة ليس المراد بها مسألة النزاع بنص هذا الإمام العظيم الشأن المعتمد قوله في المذهب فلا عبرة بحمل غيره من المتأخرين .

                هذه العبارة على ما فهمه من مسألتنا ، وأما كلام الزيلعي فإنه وإن كان لا يشهد في مسألتنا بنفي ولا إثبات فغير مسلم له ، ولا يطرد فإن أول المسائل التي ذكرها ، وهي مسألة الحكم بالشاهد واليمين ، ولا أستحضر أحدا من علمائنا من قال : أنه بعد إمضاء قاض آخر ذكره في أقضية الجامع .

                وفي بعض المواضع ينفذ مطلقا ، وهذا يشهد ; لأن قولهم لا ينفذ لا يستلزم عدم النفاذ إذا قضى به قاض آخر ، وقد صرحوا بأن القضاء المختلف فيه بمنزلة الفصل المجتهد فيه تنفيذه يكون قضاء في محل الاجتهاد فيكون نافذا بالاتفاق .

                فكيف يتصور أن يكون غير نافذ ولو نفذه ألف حاكم .

                قال الصدر الشهيد في واقعاته : قضى بشاهد ويمين ثم رفع إلى حاكم لا يراه جاز له إبطاله فإن رفع قبل إبطاله إلى حاكم يرى جوازه فنفذه ليس لحاكم آخر لا يراه جائزا إبطاله .

                وعلى هذا الاعتبار في جميع الأحكام المختلفة . وذكر مسألة متروك التسمية عمدا من هذا الوادي ، وقد ذكر في المحيط والنوازل أنه ينفذ عند الإمام خلافا لأبي يوسف رحمه الله فيكون حكما مختلفا فيه فينفذ بالتنفيذ .

                وفي الخلاصة أضاف إلى الإمام ومحمد رحمهما الله فترجح جانب القول بالجواز ( انتهى ) .

                ثم قال : ومن ههنا نشرع في الاستدلال على كون الحكم بالشهادة على الخط مما يتوقف أو ينفذ لأول مرة ، فنقول : إما بيان كونه لم يخالف نصا قطعيا من الكتاب فظاهر ; لأنه شهد فيه شاهدان [ ص: 313 ] وذلك هو الذي ورد به النص ، وأما بيان كونه لم يخالف سنة مشتهرة فظاهر أيضا ، بل نقول : إن السنة جرت بإقامة الخط مقام الخطاب فقد صرح الخصاف والصفار وغيرهما في باب كتاب القاضي بذلك واستدل بكتاب الله تعالى ، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الملوك ، وقام الكتاب مقام الخطاب في اللزوم ولزمنا أمر الله تعالى .

                وكذا كان زمن الخليفة بعده ، والقضاة يعملون بذلك من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير .

                فكان كتاب القاضي كخطابه وأسند إلى الشعبي والحسن أنهما كانا يعملان بالكتاب إذا جاءهما بغير بينة .

                وعن محمد بن الحسن مثل ذلك في القاضي إذا كتب للأمير رقعة وقص فيها قصة وبعثها إلى الأمير مع نفقة ، ولم يشهد عليه .

                قال : استحسن أن ينفذه إذا كان في غير حد فمن ادعى أنه سنة مشتهرة وردت بالمنع فعليه البيان . وأما كونه لم يخالف الإجماع فظهر مما قدمناه من اعتماد الصحابة على الخط وقيامه عندهم مقام الخطاب ، ولا جائز أن ينعقد إجماع بعد التابعين .

                ومالك وأحمد يخالفان فيه ، فظهر لك بهذا أن هذا الحكم لم يخالف الكتاب والسنة والإجماع وجميع كتب المذهب مصرحة بأنه إنما لا ينفذ ما خالف ذلك .

                فإن قلت المعتبر في صيرورة المحل مجتهدا فيه اختلاف الصحابة ، ومن معهم ، ولم ينقل هنا ؟ قلت : هذا فيما اختلافهم أما الذي ليس عنهم فيه كلام بجواز ولا بمنع .

                وقال المجتهد : فيه قولا استند فيه إلى دليل وخالفه الآخر فقضى قاض بما أدى عليه اجتهاد واحد منهم نفذ حيث لم يكن مخالفا لما ذكر .

                وقد تقدم من كلام مشايخنا ما يدل على أن المحل محل اجتهاد بدون استناده إلى حكم حاكم يراه حجة فكيف ، وقد انضم إلى الحكم بذلك حاكم آخر يراه جائزا بإمضائه وإجازته .

                والقول بأن اختلاف مالك رحمه الله والشافعي رحمه الله لا يعتبر في صيرورة المحل مجتهدا فيه قول الخصاف وحده .

                وقد أشار محمد رحمه الله في السير الكبير إلى اعتباره . وصرح الصدر الشهيد في فتاواه بأن المختلف بين السلف كالمختلف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم مستدلا على ذلك بما نقله عن مأذون شيخ الإسلام خواهر زاده : القاضي إذا قضى في المأذون في النوع أنه مأذون في نوع واحد عند شرائط القضاء يصير متفقا عليه حتى لو رفع إلى قاض آخر يرى خلافه أمضاه ولا يبطله ، ذكره محمد في المأذون الكبير وقد صرح المحقق ابن الهمام في شرح الهداية بأن القول بعدم اعتبار خلاف [ ص: 314 ] مالك والشافعي رحمهما الله لا يعول عليه ، وأنه لا شك في اجتهادهم فيصير المحل باختلافهم مجتهدا فيه واستبدل في ذلك المنقول حيث قال : وقد ترى في أثناء كلامهم جعل المسألة اجتهادية بخلاف بين المشايخ حتى ينفذ القضاء بأحد القولين فكيف لا يكون ذلك إذ لم يعرف الخلاف إلا بين هؤلاء الأئمة يؤيده ما في الذخيرة عنالحلواني : أن الأب إذا خالع الصغيرة على صداقها ، ورآه خيرا لها بأن كانت لا تحسن العشرة مع زوجها فإن قول الإمام مالك يصح ، ويزول الصداق عن ملكها ويبرأ الزوج عنه فإذا قضى به قاض نفذ ( انتهى ) .

                ( 12 ) قوله : لا يكون إقرارا إلخ . علله في البزازية بأن المحفوظ عن أصحابنا أنه لو قال : كل ما أقر به فلان علي فأنا مقر به لا يلزمه شيء إذا أقر به فلان . يعني فههنا أولى أن لا يكون إقرارا وقد أسقط المصنف من عبارة البزازية هذا التعليل .

                ( 13 ) قوله : فقال المدعى عليه ما ذكرنا أي ما كان في جريدتك فعلي .

                ( 14 ) قوله : كان تصديقا . مقتضى السياق أن يقول : كان إقرارا .

                ( 15 ) قوله : ; لأن التصديق لا يلحق بالمجهول تعليل لقوله : كان تصديقا أي لا يكون متعلقا به ، وتحقيقه أن التصديق عبارة عن تصور الطرفين مع الحكم ، والحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وتصور المجهول يتعذر فلا يتعلق به التصديق .




                الخدمات العلمية