الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                103 - الناس أحرار بلا بيان إلا في الشهادة والقصاص ، والحدود ، والدية

                التالي السابق


                ( 103 ) قوله : الناس أحرار بلا بيان إلا في الشهادة إلخ . يعني فلا يكتفي بظاهر الحرية فيها ، بل يسأل ; وهذا إذا طعن الخصم بالرق أما إذا لم يطعن فلا يسأل كما في التبيين ، وتفسيره في الشهادة : إذا شهد شاهدان لرجل بحق من الحقوق فقال المشهود عليه : هما عبدان ، وإني لا أقبل شهادتهما حتى أعلم أنهما حران .

                وتفسيره في الحد إذا قذف إنسانا ثم زعم القاذف أن المقذوف عبد فإنه لا يحد القاذف حتى يثبت المقذوف حريته بالحجة ، وفي القصاص إذا قطع يد إنسان ، وزعم القاطع أن المقطوع يده عبد ، فإنه لا يقضى بالقصاص حتى يثبت حريته . وفي الدية إذا قتل إنسانا خطأ ، وزعمت العاقلة أنه عبد فإنه لا يقضى عليهم بالدية حتى تقوم البينة على حريته . وهذا ; لأن ثبوت الحرية لكل أحد باعتبار الظاهر ، أما ; لأن الدار دار الحرية أو ; لأن الأصل في الناس الحرية ; لأنهم أولاد آدم وحواء عليهما السلام ، وقد كانا حرين ، إلا أن الظاهر يدفع به [ ص: 342 ] الاستحقاق ، ولكنه لا يثبت به الاستحقاق ; لأن الاستحقاق لا يثبت إلا بدليل موجب له . إذا عرفت هذا فنقول : في الشهادة : إثبات الاستحقاق على المشهود عليه بقول الشاهد الظاهر الحرية لا يكفي لذلك ، وكذلك في القذف الحد على القاذف .

                وفي القصاص إيجاب العقوبة على القاطع ، وفي الدية إيجاب الدية على العاقلة ، وذلك لا يكون إلا باعتبار الحرية فما لم تثبت الحرية بالحجة لا يجوز القضاء بشيء من ذلك . فإن قال الشهود : نحن أحرار لم نملك قط لم يقبل قولهما حتى يأتيا بالبينة على ذلك ، وإنما أراد به أنه لا تقبل شهادتهما فأما في قولهما إنا أحرار ; يصدقان في قولهما بطريق الظاهر ، ولكن لا يقضى بشهادتهما حتى يقيما البينة على حريتهما .

                وإن سأل القاضي عنهما فأخبر أنهما حران فقبل ذلك ، وأجاز شهادتهما كان حسنا ; لأن حريتهما من الأسباب التي لا تعمل شهادتهما إلا بها بمنزلة العدالة فكما أن العدالة تصير معلومة عند القاضي بهذا الطريق فكذلك الحرية . كذا في شرح أدب القاضي للسرخسي . وقد سئل شيخ مشايخنا الشيخ عبد الغني العبادي هل الأصل في الناس الرشد أو السفه ؟ وهل الأصل في الناس الفقر أو الغنى ؟ وهل الأصل في الناس الأمانة أو الخيانة وهل الأصل في الناس الجرح أو التعديل ؟ فأجاب الأصل في الناس الرشد والفقر والأمانة والعدالة وإنما على القاضي أن يسأل عن الشهود سرا وعلنا ; لأن القضاء مبني على الحجة ، وهي شهادة العدول ، فيتعرف عن العدالة وفيه صون قضائه عن البطلان والله تعالى أعلم ( انتهى ) .

                وفي قوله فيه صون قضائه البطلان نظر فتدبر




                الخدمات العلمية