لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم
ومحالهم عدوا محالك فلئن فعلت فبها وإلا
فالأمر ما بدا لك ولئن فعلت فإنه
أمر تتم به فعالك غدوا لجموعهم
والفيل كي يدوسوا عيالك ولئن تركتهم وكعبتنا
فوا حزنا هنالك
فلما توجه شمر وأصحابه بالفيل وقد أجمعوا ما أجمعوا ، طفق كلما وجهوه إلى مكة أناخ وبرك ، فإذا صرفوه عنها من حيث أتى أسرع [ ص: 147 ] السير فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل وخرجت عليهم طير من البحر لها خراطيم ، كأنها البلس شبيهة بالوطاويط حمر وسود ، فلما رأوها أشفقوا منها ، وسقط في أذرعهم ، فقال شمر : ما يعجبكم من طير خمال جنبها الليل إلى مساكنها ، فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق ، تقع في رأس الرجل فتخرج من جوفه ، وكان فيهم أخوان من كندة ، أما أحدهما ففارق القوم قبل ذلك ، وأما الآخر ، فلحق بأخيه حين رأى ما رأى ، فبينما هو يحدثه عنها إذ رأى طيرا منها قال : كان هذا منها ، فدنا منه الطير ، ففدغه بحجر ، فمات ، فقال أخوه الناجي منها :
فإنك لو رأيت ولن ترانا خبت لذي الغمرين ما لقينا
خشيت الله لما بث طيرا بظل سحابة مرت علينا
وباتوا كلهم يدعو بحق كأن قد كان للحبشان دينا
فلما أصبحوا من الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم ، فلم يروا أحدا غشيهم ، فبعث ابنه على فرس له سريع ينظر ما لقوا ، فإذا القوم مشدخون جميعا ، فرجع يرفع فرسه كاشفا عن فخذه ، فلما رأى ذلك أبوه قال : إن ابني أفرس العرب ، وما كشف عن فخذه إلا بشيرا أو نذيرا ، فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت ، قالوا : ما وراءك ؟ قال : هلكوا جميعا ، فخرجعبد المطلب وأصحابه ، فأخذوا أموالهم ، فكانت أول أموال بني عبد المطلب من ذلك المال ، وقال عبد المطلب [ ص: 148 ] :
أنت منعت الجيش والأفيالا
وقد رعوا بمكة الأجبالا
وقد خشينا منهم القتالا
وكل أمر لهم معضالا
شكرا وحمدا لك ذا الجلالا "
وقال عمارة العبد :
الله ربي وولي الأنفس أنت حبست الفيل بالمغمس
فانصرف الأسود بن مصفود هاربا وحده ، وكان أول منزل نزله سقطت يده اليمنى ، ثم نزل منزلا آخر فسقطت يده اليسرى ، فأتى منزله وقومه ، وهو حينئذ لا أعضاء له ، فأخبرهم الخبر وقص عليهم ما لقيت جيوشه ، ثم فاضت نفسه وهم ينظرون .
قال الشيخ : روى قصة أصحاب الفيل من وجوه ، وسياق عثمان بن المغيرة أتمها وأحسنها شرحا ، وذكر أن عبد المطلب بعث بابنه عبد الله ، فهو وهم بعض النقلة ، لأن ذكر أن الزهري عبد الله بن عبد المطلب كان موته عام الفيل وأن الحارث بن عبد المطلب كان أكبر ولد عبد المطلب ، وكان هو الذي بعثه على فرسه لينظر ما لقي القوم .