[ ص: 3 ] مقدمة المؤلف .
1 - لا إله إلا الله ، عدة للقا الله - عز وجل - .
قال الشيخ الأجل ، الإمام فخر الإسلام ،
إمام الحرمين ، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني - رحمة الله عليه - :
2 - الحمد لله القيوم الحي ، الذي بإرادته كل رشد وغي ، وبمشيئته كل نشر وطي . كل بيان في وصف جلاله حصر وعي ، وبين عيني كل قيصر وكي ، من قهر تسخيره وسم وكي ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء ) فالعقول عن عز جلاله معقولة ، ومعاقد العقود في نعت جماله محلولة ، ومطايا الواجدين مشكولة ، وقلوب العارفين على الدأب في
[ ص: 4 ] الطلب مجبولة ، وأيدي المريدين إلى الأعناق مغلولة ، وأفئدة القانعين بملك الدارين معلولة ، وغاية الزاهدين العابدين مواعد مأمولة ، وفي عرصات الكبرياء ألسنة مسلولة ، ودماء الهلكى في الله مهدرة مطلولة ، وحدود المشمرين في غير ما قدر لهم مفلولة ، ونهاية المكاشفين حيرة محصولة ، فلا ينفع مع القدر المحتوم وسيلة ، ولا يدرأ القضاء الأزلي حيلة ، والأفهام دون حمى العزة مبهورة ، والأوهام مقهورة ، والفطن مزجورة ، والبصائر مدحورة ، والفكر عن مدرك الحق مقصورة ، وذكر اللسان أصوات وأجراس ، ومتضمن الخواطر وسواس ، والسكون عن الطلب تعطيل ، والركون إلى مطلوب مخيل تمثيل ، وبذل المهج في أدنى مسالك المريدين قليل ، وليس إلى درك
[ ص: 5 ] حقيقة الحق سبيل ، ونار الله على أرواح المشتاقين موقدة ، ومدارك الوصول بأغلاق العز موصدة ، ومن قنع بالدعوى ضاع زمانه ، ومن تحقق في الإرادة طالت أحزانه ، ومن ضري بالكلام صدي جنانه ، ومن عرف الله كل لسانه ، جل جلاله ، وتقدست
[ ص: 6 ] أسماؤه . استواؤه استيلاؤه ، ونزوله بره وحباؤه ، ومجيئه حكمه وقضاؤه ، ووجهه بقاؤه ، وتقريبه اصطفاؤه ، ومحبته آلاؤه ، وسخطه بلاؤه ، وبعده علاؤه ، العظمة إزاره ، والكبرياء رداؤه ، غرقت في نور سرمديته عقول العقلاء ، وبرقت في وصف صمديته علوم العلماء ، ولم يحصل منه أهل الأرض والسماء إلا على الصفات والأسماء ، فالخلق رسوم خالية ، وجسوم بالية ، والقدرة الأزلية لها والية ، جلت ساحة الربوبية ، وحمى العزة الديمومية ، عن وهم كل جني وإنسي ، ومناسبة عرش وكرسي ، فالشواهد دونها منطمسة ، والعلوم مندرسة ، والعقول مختلطة ملتبسة ، والألسنة معتقلة محتبسة ، فلا تحييث ولا
[ ص: 7 ] تحييز ، ولا تحقيق ولا تمييز ، ولا تقدير ولا تجويز ، وليس إلا وجهه العزيز .
3 - قد أفلح الحامدون ، وخاب الجاحدون ، وفاز المؤمنون ، وكفي المتوكلون ، وصدق المرسلون ، واعترف لله بالوحدانية المؤيدون ، وأيقن بنبوة المرسلين ، وصدق خاتم النبيين ، وقائد الغر المحجلين - الموفقون . وعلى الأنبياء أجمعين .
[ ص: 3 ] مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ .
1 - لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، عُدَّةٌ لِلِقَا اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - .
قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ ، الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ،
إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ، أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - :
2 - الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَيُّومِ الْحَيِّ ، الَّذِي بِإِرَادَتِهِ كُلُّ رُشْدٍ وَغَيٍّ ، وَبِمَشِيئَتِهِ كُلُّ نَشْرٍ وَطَيٍّ . كُلُّ بَيَانٍ فِي وَصْفِ جَلَالِهِ حَصَرٌ وَعِيٌّ ، وَبَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ قَيْصَرٍ وَكَيٍّ ، مِنْ قَهْرِ تَسْخِيرِهِ وَسْمٌ وَكَيٌّ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) فَالْعُقُولُ عَنْ عِزِّ جَلَالِهِ مَعْقُولَةٌ ، وَمَعَاقِدُ الْعُقُودِ فِي نَعْتِ جَمَالِهِ مَحْلُولَةٌ ، وَمَطَايَا الْوَاجِدِينَ مَشْكُولَةٌ ، وَقُلُوبُ الْعَارِفِينَ عَلَى الدَّأَبِ فِي
[ ص: 4 ] الطَّلَبِ مَجْبُولَةٌ ، وَأَيْدِي الْمُرِيدِينَ إِلَى الْأَعْنَاقِ مَغْلُولَةٌ ، وَأَفْئِدَةُ الْقَانِعِينَ بِمَلِكِ الدَّارَيْنِ مَعْلُولَةٌ ، وَغَايَةُ الزَّاهِدِينَ الْعَابِدِينَ مَوَاعِدُ مَأْمُولَةٌ ، وَفِي عَرَصَاتِ الْكِبْرِيَاءِ أَلْسِنَةٌ مَسْلُولَةٌ ، وَدِمَاءُ الْهَلْكَى فِي اللَّهِ مُهْدَرَةٌ مَطْلُولَةٌ ، وَحُدُودُ الْمُشَمِّرِينَ فِي غَيْرِ مَا قُدِّرَ لَهُمْ مَفْلُولَةٌ ، وَنِهَايَةُ الْمُكَاشِفِينَ حَيْرَةٌ مَحْصُولَةٌ ، فَلَا يَنْفَعُ مَعَ الْقَدَرِ الْمَحْتُومِ وَسِيلَةٌ ، وَلَا يَدْرَأُ الْقَضَاءَ الْأَزَلِيَّ حِيلَةٌ ، وَالْأَفْهَامُ دُونَ حِمَى الْعِزَّةِ مَبْهُورَةٌ ، وَالْأَوْهَامُ مَقْهُورَةٌ ، وَالْفِطَنُ مَزْجُورَةٌ ، وَالْبَصَائِرُ مَدْحُورَةٌ ، وَالْفِكَرُ عَنْ مَدْرَكِ الْحَقِّ مَقْصُورَةٌ ، وَذِكْرُ اللِّسَانِ أَصْوَاتٌ وَأَجْرَاسٌ ، وَمُتَضَمَّنُ الْخَوَاطِرِ وَسْوَاسٌ ، وَالسُّكُونُ عَنِ الطَّلَبِ تَعْطِيلٌ ، وَالرُّكُونُ إِلَى مَطْلُوبٍ مُخَيَّلٍ تَمْثِيلٌ ، وَبَذْلُ الْمُهَجِ فِي أَدْنَى مَسَالِكِ الْمُرِيدِينَ قَلِيلٌ ، وَلَيْسَ إِلَى دَرْكِ
[ ص: 5 ] حَقِيقَةِ الْحَقِّ سَبِيلٌ ، وَنَارُ اللَّهِ عَلَى أَرْوَاحِ الْمُشْتَاقِينَ مُوقَدَةٌ ، وَمَدَارِكُ الْوُصُولِ بِأَغْلَاقِ الْعِزِّ مُوصَدَةٌ ، وَمَنْ قَنِعَ بِالدَّعْوَى ضَاعَ زَمَانُهُ ، وَمَنْ تَحَقَّقَ فِي الْإِرَادَةِ طَالَتْ أَحْزَانُهُ ، وَمِنْ ضَرِيَ بِالْكَلَامِ صَدِيَ جَنَانُهُ ، وَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ كَلَّ لِسَانُهُ ، جَلَّ جَلَالُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ
[ ص: 6 ] أَسْمَاؤُهُ . اسْتِوَاؤُهُ اسْتِيلَاؤُهُ ، وَنُزُولُهُ بَرُّهُ وَحِبَاؤُهُ ، وَمَجِيئُهُ حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ ، وَوَجْهُهُ بَقَاؤُهُ ، وَتَقْرِيبُهُ اصْطِفَاؤُهُ ، وَمَحَبَّتُهُ آلَاؤُهُ ، وَسُخْطُهُ بَلَاؤُهُ ، وَبُعْدُهُ عَلَاؤُهُ ، الْعَظَمَةُ إِزَارُهُ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ ، غَرِقَتْ فِي نُورِ سَرْمَدِيَّتِهِ عُقُولُ الْعُقَلَاءِ ، وَبَرِقَتْ فِي وَصْفِ صَمَدِيَّتِهِ عُلُومُ الْعُلَمَاءِ ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَهْلُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ إِلَّا عَلَى الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ ، فَالْخَلْقُ رُسُومٌ خَالِيَةٌ ، وَجُسُومٌ بَالِيَةٌ ، وَالْقُدْرَةُ الْأَزَلِيَّةُ لَهَا وَالِيَةٌ ، جَلَّتْ سَاحَةُ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَحِمَى الْعِزَّةِ الدَّيْمُومِيَّةِ ، عَنْ وَهْمِ كُلِّ جِنِّيٍّ وَإِنْسِيٍّ ، وَمُنَاسَبَةِ عَرْشٍ وَكُرْسِيٍّ ، فَالشَّوَاهِدُ دُونَهَا مُنْطَمِسَةٌ ، وَالْعُلُومُ مُنْدَرِسَةٌ ، وَالْعُقُولُ مُخْتَلِطَةٌ مُلْتَبِسَةٌ ، وَالْأَلْسِنَةُ مُعْتَقَلَةٌ مُحْتَبَسَةٌ ، فَلَا تَحْيِيثَ وَلَا
[ ص: 7 ] تَحْيِيزَ ، وَلَا تَحْقِيقَ وَلَا تَمْيِيزَ ، وَلَا تَقْدِيرَ وَلَا تَجْوِيزَ ، وَلَيْسَ إِلَّا وَجْهُهُ الْعَزِيزُ .
3 - قَدْ أَفْلَحَ الْحَامِدُونَ ، وَخَابَ الْجَاحِدُونَ ، وَفَازَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَكُفِيَ الْمُتَوَكِّلُونَ ، وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ، وَاعْتَرَفَ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ الْمُؤَيِّدُونَ ، وَأَيْقَنَ بِنُبُوَّةِ الْمُرْسَلِينَ ، وَصِدْقِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ - الْمُوَفَّقُونَ . وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ .