ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في المساكن
قال المصنف: أما بناء الأربطة فإن قوما من المتعبدين الماضين اتخذوها للانفراد بالتعبد. وهؤلاء إذا صح قصدهم فهم على الخطأ من ستة أوجه أحدها أنهم ابتدعوا هذا البناء وإنما بنيان أهل الإسلام المساجد والثاني أنهم جعلوا للمساجد نظيرا يقلل جمعها والثالث أنهم أفاتوا أنفسهم نقل الخطا إلى المساجد والرابع أنهم تشبهوا بالنصارى بانفرادهم بالأديرة والخامس أنهم تعذبوا وهم شباب وأكثرهم محتاج إلى النكاح والسادس أنهم جعلوا لأنفسهم علما ينطق بأنهم زهاد فيوجب ذلك زيارتهم والتبرك بهم، وإن كان قصدهم غير صحيح فإنهم قد بنوا دكاكين للكوبة ومناخا للبطالة وأعلاما لإظهار الزهد، وقد رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين في الأربطة من كد المعاش متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص يطلبون الدنيا من كل ظالم ولا يتورعون من عطاء ماكس وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة ووقفوا عليها الأموال الخبيثة وقد لبس عليهم إبليس أن ما يصل إليكم رزقكم فأسقطوا عن أنفسكم كلفة [ ص: 170 ] الورع. فمهمتهم دوران المطبخ والطعام والماء البارد فأين جوع بشر، وأين ورع سري وأين جد الجنيد وهؤلاء أكثر زمانهم ينقضي في التفكه بالحديث أو زيارة أبناء الدنيا فإذا أفلح أحدهم أدخل رأسه في زرمانقته فغلبت عليه السوداء فيقول حدثني قلبي عن ربي ولقد بلغني أن رجلا قرأ القرآن في رباط فمنعوه وأن قوما قرؤوا الحديث في رباط فقالوا لهم ليس هذا موضعه والله الموفق.