فقد روينا بإسناد عن وكم اغتر قوم بما يشبه الكرامات حسن ، عن قال قال لي أبي عمران فرقد يا أبا عمران قد أصبحت اليوم وأنا مهتم بضريبتي وهي ستة دراهم وقد أهل الهلال وليست عندي فدعوت فبينما أنا أمشي على شط الفرات إذا أنا بستة دراهم فأخذتها فوزنتها فإذا هي ستة لا تزيد ولا تنقص فقال تصدق بها فإنها ليست لك قلت: أبو عمران هو إبراهيم النخعي فقيه أهل الكوفة فانظروا إلى كلام الفقهاء وبعد الاغترار عنهم وكيف أخبره أنها لقطة ولم يلتفت إلى ما يشبه الكرامة وإنما لم يأمره بتعريفها لأن مذهب الكوفيين أنه لا يجب التعريف لما دون الدينار وكأنه إنما أمره [ ص: 369 ] بالتصدق بها لئلا يظن أنه قد أكرم بأخذها وإنفاقها وبإسناد عن إبراهيم الخراساني أنه قال احتجت يوما إلى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر وسواك من فضة رأسه ألين من الخز فاستكت بالسواك وتوضأت بالماء وتركتهما وانصرفت قلت: في هذه الحكاية من لا يوثق بروايته فإن صحت دلت على قلة علم هذا الرجل إذ لو كان يفهم الفقه علم أن استعمال السواك الفضة لا يجوز ولكن قل علمه فاستعمله وإن ظن أنه كرامة والله تعالى لا يكرم بما يمنع من استعماله شرعا إلا إن أظهر له ذلك على سبيل الامتحان وذكر محمد بن أبي الفضل الهمداني المؤرخ قال حدثني أبي قال كان السرمقاني المقري يقرأ على ابن العلاف وكان يأوي إلى المسجد بدرب الزعفراني واتفق أن ابن العلاف رآه ذات يوم في وقت مجاعة وقد نزل إلى دجلة وأخذ منه أوراق الخس مما يرمي به أصحابه وجعل يأكله فشق ذلك عليه وأتى إلى رئيس الرؤساء فأخبره بحاله فتقدم إلى غلام بالقرب إلى المسجد الذي يأتي إليه السرمقاني أن يعمل لبابه مفتاحا من غير أن يعلمه ففعل وتقدم إليه أن يحمل كل يوم ثلاثة أرطال خبزا سميدا ومعها دجاجة وحلوى سكرا ففعل الغلام ذلك وكان يحمله على الدوام فأتى السرمقاني في أول يوم فرأى ذلك مطروحا في القبلة ورأى الباب مغلقا فتعجب وقال في نفسه هذا من الجنة ويجب كتمانه وأنا لا أتحدث به فإن من شرط الكرامة كتمانها وأنشدني:
من أطلعوه على سر فباح به لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
فلما استوت حالته وأخصب جسمه سأله ابن العلاف عن سبب ذلك وهو عارف به وقصد المزاح معه فأخذ يوري ولا يصرح ويكني ولا يفصح ولم يزل ابن العلاف يستخبره حتى أخبره أن الذي يجده في المسجد كرامة إذ لا طريق لمخلوق عليه فقال له ابن العلاف يجب أن تدعو لابن المسلمة فإنه هو الذي فعل ذلك فنغص عيشه بأخباره وبانت عليه شواهد الانكسار.