ذكر تلبيسه على الصابئين
قال المصنف: أصل هذه الكلمة - أعني الصابئين - من قولهم صبأت إذا خرجت من شيء إلى شيء، وصبأت النجوم إذا ظهرت، وصبأ به إذا خرج، والصابئون الخارجون من دين إلى دين، وللعلماء في مذاهبهم عشرة أقوال: أحدها: أنهم قوم بين النصارى والمجوس، رواه سالم ، عن ، سعيد بن جبير وليث ، عن والثاني: أنهم بين اليهود والمجوس، رواه مجاهد. ، عن ابن أبي نجيح والثالث: أنهم بين اليهود والنصارى، رواه مجاهد. القاسم بن أبي بزة ، عن والرابع: أنهم صنف من النصارى ألين قولا منهم، رواه مجاهد. ، عن أبو صالح والخامس: أنهم قوم من المشركين لا كتاب لهم، رواه ابن عباس. القاسم أيضا، عن والسادس: أنهم كالمجوس، قاله [ ص: 73 ] مجاهد. والسابع: أنهم فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور، قاله الحسن. والثامن: أنهم قوم يصلون إلى القبلة، ويعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور، قاله أبو العالية. ، قتادة ومقاتل. والتاسع: أنهم طائفة من أهل الكتاب، قاله السدي. والعاشر: أنهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم عمل، ولا كتاب، ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله، قاله ابن زيد.
قال المصنف: هذه أقوال المفسرين مثل: ، ابن عباس والقاسم ، والحسن ، وغيرهم، فأما المتكلمون فقالوا: وبنوا لها بيوت عبادات، وهم يدعون أن بيت الله الحرام واحد منها، وهو بيت زحل، وزعم بعضهم أنه لا يوصف الله عز وجل إلا بالنفي دون الإثبات، ويقال: ليس بمحدث، ولا موات، ولا جاهل، ولا عاجز. قالوا: لئلا يقع تشبيه، ولهم تعبدات في شرائع منها: أنهم زعموا أن عليهم ثلاث صلوات في كل يوم، أولها ثمان ركعات، وثلاث سجدات في كل ركعة، وانقضاء وقتها عند طلوع الشمس، والثانية خمس ركعات، والثالثة كذلك. وعليهم صيام شهر أوله الثمان ليال يمضين من آذار، وسبعة أيام أولها التسع يبقين من كانون الأول، وسبعة أيام أولها الثمان ليال يمضين من شباط، ويختمون صيامهم بالصدقة، والذبائح، وحرموا لحم الجزور في خرافات يضيع الزمان بذكرها، وزعموا أن الأرواح الخيرة تصعد إلى الكواكب الثابتة، وإلى الضياء، وأن الشريرة تنزل إلى أسفل الأرضين، وإلى الظلمة، وبعضهم يقول: هذا العالم لا يفنى، وأن الثواب، والعقاب في التناسخ. ومثل هذه المذاهب لا يحتاج إلى تكلف في ردها; إذ هي دعاوى بلا دليل، وقد حسن إبليس لأقوام من الصابئين أنهم رأوا الكمال في تحصيل مناسبة بينهم وبين الروحانيات العلوية باستعمال الطهارات، وقوانين، ودعوات، واشتغلوا بالتنجيم، والتسخير، وقالوا: لا بد من متوسط بين الله وبين خلقه في تعريف المعارف، والإرشاد للمصالح، إلا أن ذلك المتوسط ينبغي أن يكون روحانيا لا جسمانيا. قالوا: فنحن نحصل لأنفسنا مناسبة قدسية بيننا وبينه، فيكون ذلك وسيلة لنا إليه، وهؤلاء لا ينكرون بعث الأجساد. مذهب الصابئين مختلف فيه، فمنهم من يقول: إن هناك هيولى كان لم يزل، ولم يزل يصنع العالم من ذلك الهيولى، وقال أكثرهم: العالم ليس بمحدث، وسموا الكواكب ملائكة، وسماها قوم منهم آلهة، وعبدوها،
[ ص: 74 ]