36 - أخبرنا أنبا عبد الواحد المليحي أنبا أحمد بن عبد الله النعيمي نبا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل نبا إبراهيم بن حمزة عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله تعالى عنهما أنه أخبره : [ ص: 31 ] عبد الله بن عباس قيصر يدعوه إلى الإسلام ، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي ، وأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر ، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله . فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال حين قرأه : التمسوا لي ههنا أحدا من قومه لأسألهم عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : فأخبرني ابن عباس : أنه كان أبو سفيان بالشام في رجال من قريش قدموا تجارا ، في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبين كفار قريش قال فوجدنا رسول أبو سفيان : قيصر ببعض الشام ، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء ، [ ص: 32 ] فأدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج ، وإذا حوله عظماء الروم . فقال لترجمانه : سلهم أيهم أقرب نسبا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قال فقلت : أنا أقربهم إليه نسبا ، قال ما قرابة ما بينك وبينه ؟ فقلت : هو ابن عم ، وليس في الركب يومئذ أحد من أبو سفيان : بني عبد مناف غيري . فقال قيصر : أدنوه فأمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي ، ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه : إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي فإن كذب فكذبوه قال والله لولا الحياء يومئذ من أن تأثر أصحابي عني الكذب لحدثته عني حين سألني عنه ، ولكن استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقت ثم قال لترجمانه : قل له : كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب قال : فهل قال هذا القول أحد منكم قبله ؟ قلت : لا قال هل كنتم تتهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل من آبائه من ملك ؟ قلت : لا . قال : فأشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : فيزيدون أو ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا . قال : فهل يغدر قلت : لا ونحن الآن منه في مدة نحن نخاف أن يغدر قال أبو سفيان : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه به لا أخاف أن يؤثر عني غيرها . قال : فهل قاتلتموه وقاتلكم ؟ قلت : نعم . قال فكيف كان حربه وحربكم ؟ قلت : كانت دولا [ ص: 33 ] وسجالا ، تدال علينا المرة وتدال عليه الأخرى . قال : فماذا يأمركم به ؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وينهى عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة . فقال : لترجمانه حين قلت : ذلك له : قل له : إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك : هل قال : أحد منكم هذا القول قبله ، فزعمت أن : لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال القول قبله ؛ قلت رجل يأتم بقول قد قيل قبله . وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن : لا ، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله . وسألتك هل كان من آبائه من ملك ؟ فزعمت أن : لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك ؛ قلت : رجل يطلب ملك آبائه . وسألتك : أشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم ؟ فزعمت أن : ضعفاؤهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل . وسألتك : هل يزيدون أو ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم . وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن : لا ، وكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد . وسألتك : هل يغدر ؟ فزعمت أن : لا ، وكذلك الرسل لا يغدرون . وسألتك : هل قاتلتموه وقاتلكم ؟ فزعمت أن قد فعل ، وأن حربكم وحربه يكون دولا يدال عليكم المرة ويدالون عليه الأخرى ، وكذلك الرسل تبتلى ويكون لها العاقبة . وسألتك : بماذا [ ص: 34 ] يأمركم ؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة . قال : وهذه صفة نبي قد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن أظن أنه منكم . وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه . أبو سفيان :
قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقرئ ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من أبو سفيان : محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين و ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) .
قال فلما قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم فلا أدري ماذا قالوا . وأمر بنا فأخرجنا . فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم : لقد أمر أمر أبو سفيان : ابن أبي [ ص: 35 ] كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه . قال والله ما زلت ذليلا مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام ، وأنا كاره . أبو سفيان : أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب إلى .