[ ص: 859 ] المسألة الثانية : المنع من
nindex.php?page=treesubj&link=13667توريث المسلم من الكافر ، فإنه قد روي أنه قاله عقيب هذا القول ، وكان قد استولى على بعضها بطريق الإرث من
أبي طالب ، وعلى بعضها بطريق القهر والغلبة ، والظاهر أنه استولى على نفس ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - وداره التي هي له ، فإنه قيل له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350437ألا تنزل في دارك ؟ فقال : " وهل ترك لنا عقيل من دار ؟ "
يقول : هو أخذ داري ودار غيري من
بني هاشم .
وكان
عقيل لم يسلم بعد ، بل كان على دين قومه ، وكان
حمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=136وعبيدة بن الحارث ،
وعلي ، وغيرهم قد هاجروا إلى
المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -
وجعفر هاجر إلى
الحبشة ، فاستولى
عقيل على رباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رباع
آل أبي طالب .
وأما رباع
العباس فالعباس كان مستوليا عليها ، وكذلك
الحارث بن عبد المطلب كان
بمكة ابنه
أبو سفيان ، وابنه
ربيعة .
وأما
أبو طالب فلم يبق له
بمكة إلا
عقيل ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أخ فاستولى
عقيل على هذا وهذا ; فلهذا قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350417وهل ترك لنا [ ص: 860 ] عقيل من رباع ؟ " وإلا فبأي طريق يأخذ ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حي ، ولم يكن هو وارثه لو كان يورث ؟
فتبين بهذا أن
nindex.php?page=treesubj&link=24007_24340الكفار المحاربين إذا استولوا على أموال المسلمين ، ثم أسلموا كانت لهم ، ولم ترد إلى المسلمين ، لأنها أخذت في الله ، وأجورهم فيها على الله لما أتلفه الكفار من دمائهم ، وأموالهم ، فالشهداء لا يضمنون ، ولو أسلم قاتل الشهيد لم يجب عليه دية ولا كفارة بالسنة المتواترة ، واتفاق المسلمين ، وقد أسلم جماعة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عرف من قتلوه مثل
وحشي بن حرب قاتل
حمزة ومثل قاتل
النعمان بن قوقل وغيرهما ، فلم يطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا بشيء عملا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) .
[ ص: 861 ] وكذلك المرتدون : قد أسلم
nindex.php?page=showalam&ids=2265طليحة الأسدي بعد ردته ، وقد قتل
nindex.php?page=showalam&ids=5735عكاشة بن محصن ، فلم يضمنه
أبو بكر ،
وعمر ، وسائر الصحابة لا دية ولا كفارة . وكذلك سائر من قتله المرتدون ، والمحاربون لما عادوا إلى الإسلام لم يضمنهم المسلمون شيئا من ذلك .
وهذا فيه نزاع في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ، وطائفة من أصحابهما ينصرون الضمان ، وكثير من متأخري أصحاب
أحمد يظن أن هذا هو ظاهر مذهبه ، وأن عدم الضمان هو قول
أبي بكر عبد العزيز ، ولم يعلم أن
أحمد نص على قول
أبي بكر ، وأن أهل الردة ، والمحاربين لا يضمنون ما أتلفوه من النفوس ، والأموال كأهل الحرب الكفار الأصليين ، فإن فيهن نزاعا في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ، والصواب فيهم : الذي عليه الجمهور ، وهو مذهب
مالك ،
وأبي حنيفة وغيرهما .
وكذلك البغاة المتأولون من أهل القبلة كالمقتتلين " بالجمل "
[ ص: 862 ] " وصفين " لا يضمنون ما أتلفه بعضهم على بعض في القتال ، وهذا هو المنصور عند أصحاب
أحمد .
[ ص: 863 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : " وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون ، فأجمعوا أن كل دم أو جرح أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر ، أنزلوهم منزلة الجاهلية . " يعني : لما كانوا متأولين أنزلوهم منزلة أهل الجاهلية ، وإن كانوا مخطئين في التأويل كالكفار والمرتدين ، وإنما يضمن من كان يعلم أنه لا يحل له أن يقتل ، ويؤاخذ كالطائفتين المقتتلتين على عصبية .
[ ص: 864 ] وكل منهما يعلم أنه يقاتل عصبية لا على حق : فهؤلاء تضمن كل طائفة ما أتلفته على الأخرى ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) .
nindex.php?page=treesubj&link=9883والمحاربون قطاع الطريق العالمون بأن ما فعلوه محرم يضمنون ، وإذا تابوا قبل القدرة عليهم سقطت عنهم حدود الله كما تسقط عن الكفار الممتنعين إذا أسلموا قبل القدرة عليهم .
وهل يعاقبون بحدود الآدميين مثل أن يقتل أحدهم قصاصا ؟ فيه قولان للعلماء : قيل : يؤخذون بحقوق الآدميين كالقود ، وقيل : لا يؤخذون ، وما كان معهم من أموال الناس يؤخذ بلا نزاع .
وما أتلفوه هل يضمنونه مع العقوبات البدنية ؟ فيه نزاع ، كالسارق فإنه إذا وجد معه المال أخذ سواء قطعت يده ، أو لم تقطع .
وإن كان قد أتلفه ، فهل يغرم مع القطع ؟ على ثلاثة أقوال ، قيل : يغرم كقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ، وقيل : لا يغرم كقول
أبي حنيفة ، وقيل : يغرم مع اليسار دون الإعسار كقول
مالك .
والمقصود هنا أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) ، دل به على أن المحاربين لا يرثون المسلمين
[ ص: 865 ] ولا يعطون ديتهم ، فإنهم كفار والكفار لا يرثون المسلمين ، وقد قيل : إن هذا فيمن أسلم ولم يهاجر ، فتثبت في حقه العصمة المورثة دون المضمنة كما يقول ذلك
أبو حنيفة وغيره .
وقيل : بل فيمن ظنه القاتل كافرا ، وكان مأمورا بقتله ، فسقطت عنه الدية لذلك ، كما يقوله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد في أحد القولين .
وهؤلاء يخصون الآية بمن ظاهره الإسلام ، وأولئك يخصونها بمن أسلم ، ولم يهاجر . والآية في المؤمن إذا قتل ، وهو من قوم عدو لنا ، وهو سبحانه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92من قوم عدو لكم ) ، ولم يقل : ( من عدوكم ) ، فدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=33492القتل إذا كان خطأ كمن رمى عرضا ، فأصاب مسلما فإنه لا دية فيه ، وإن علم أنه مسلم لأن أهله لا يستحقون الدية ، ولا يستحقها المسلمون ، ولا بيت المال ، فهؤلاء الكفار لا يرثون مثل هذا المسلم ، كما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350438لا يرث الكافر المسلم " لأنه حربي ، والمناصرة بينهم منقطعة ، فإنهم عدو للمسلمين ، والميراث لا يكون مع العداوة الظاهرة ، بل مع المناصرة الظاهرة ، وأهل الذمة ليسوا عدوا محاربا ، وقتيلهم مضمون ، فإذا ورث المسلم منهم كان هذا موافقا للأصول ، وقوله : " الكافر " أريد به الكافر المطلق ، وهو المعادي المحارب لم يدخل فيه المنافق ، ولا المرتد ، ولا الذمي . فإذا كان المؤمن يرث المنافق لكونه مسالما له مناصرا له في الظاهر ، فكذلك الذمي ، وبعض المنافقين شر من بعض أهل الذمة .
وقد ذهب بعضهم إلى أنه
nindex.php?page=treesubj&link=13661يرث المسلم الكافر بالموالاة ، وهو أحد
[ ص: 866 ] القولين في مذهب
أحمد : نص عليه في رواية الجماعة :
حنبل ،
وأبي طالب ،
والمروذي ،
والفضل بن زياد في المسلم يعتق العبد النصراني ، ثم يموت العتيق : يرثه بالولاء .
واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347626الولاء لمن أعتق " .
قال المانعون من التوريث : له عليه الولاء ولكن لا يرث به .
قال المورثون : ثبوت الولاء يقتضي ثبوت حكمه ، والميراث من حكمه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب : حدثنا
محمد بن عمرو ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
أبي الزبير ، عن
جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350439لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده ، أو أمته " .
[ ص: 867 ] قالوا : وهو إجماع الصحابة أفتى به
علي nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله : فروى
أبو بكر بإسناده ، عن
الحارث ، عن
علي - رضي الله عنه - : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ، إلا أن يكون عبدا له أو أمته " .
[ ص: 868 ] وكذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - .
قال المانعون : المراد بهذا العبد القن إذا كان له مال ومات فإن سيده يأخذ ماله .
قال المورثون : لا يصح هذا ؛ لأن العبد القن لا مال له فيورث عنه ، فعلم أنه أراد من كان عبده فأعتقه كما حملتم عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350440من قتل عبده قتلناه " ، وقلتم : معناه الذي كان عبده .
وكذلك قوله في
بلال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350441ألا إن العبد قد نام " .
[ ص: 869 ] [ ص: 870 ] [ ص: 871 ] قالوا : ولأن الميراث بالولاء من حقوق الملك ، فلم يمنع منه اختلاف الدين ، لولاية الكافر على أمته ، ولأن الشارع لم يجعله أحق بميراثه لنسب بينه وبينه ، وإنما ذلك جزاء على نعمة المعتق ، وهذا من محاسن الشريعة ، وكمالها : فأحق الناس بهذا الميراث أحقهم بالإنعام عليه بالعتق .
يؤكده : أن الميراث بالولاء يجري مجرى المعاوضة ، ولهذا يرث به المولى المعتق ، دون العتيق عوضا عن إحسانه إليه بالعتق .
قال المانعون : الكفر يمنع التوارث ، فلم يرث به المعتق ، كالقتل .
قال المورثون :
nindex.php?page=treesubj&link=13666القاتل يحرم الميراث لأجل التهمة ، ومعاقبة له بنقيض قصده . وهاهنا علة الميراث الإنعام ، واختلاف الدين لا يكون من علله ، وهذه المسائل الثلاث من محاسن الشريعة ، وهي :
[ الأولى : ] توريث من أسلم على ميراث قبل قسمته .
[ الثانية : ] وتوريث المعتق عبده الكافر بالولاء .
[ الثالثة : ] وتوريث المسلم قريبه الذمي ، وهي مسألة نزاع بين الصحابة والتابعين .
وأما المسألتان الأخيرتان فلم يعلم عن الصحابة فيهما نزاع ، بل
[ ص: 872 ] المنقول عنهم التوريث .
قال شيخنا : " والتوريث في هذه المسائل على وفق أصول الشرع ، فإن المسلمين لهم إنعام وحق على أهل الذمة بحقن دمائهم ، والقتال عنهم ، وحفظ دمائهم وأموالهم ، وفداء أسراهم ، فالمسلمون يمنعونهم ، وينصرونهم ، ويدفعون عنهم ، فهم أولى بميراثهم من الكفار .
والذين منعوا الميراث قالوا : مبناه على الموالاة : وهي منقطعة بين المسلم ، والكافر ، فأجابهم الآخرون بأنه ليس مبناه على الموالاة الباطنة التي توجب الثواب في الآخرة ، فإنه ثابت بين المسلمين ، وبين أعظم أعدائهم ، وهم المنافقون الذين قال الله فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هم العدو فاحذرهم ) .
فولاية القلوب ليست هي المشروطة في الميراث ، وإنما هو بالتناصر والمسلمون ينصرون أهل الذمة فيرثونهم ، ولا ينصرهم أهل الذمة فلا يرثونهم ، والله أعلم .
[ ص: 859 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمَنْعُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=13667تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَهُ عَقِيبَ هَذَا الْقَوْلِ ، وَكَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى بَعْضِهَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ مِنْ
أَبِي طَالِبٍ ، وَعَلَى بَعْضِهَا بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى نَفْسِ مِلْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَارِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ ، فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350437أَلَا تَنْزِلُ فِي دَارِكَ ؟ فَقَالَ : " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ ؟ "
يَقُولُ : هُوَ أَخَذَ دَارِي وَدَارَ غَيْرِي مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ .
وَكَانَ
عَقِيلٌ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ ، بَلْ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ ، وَكَانَ
حَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=136وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ ،
وَعَلِيٌّ ، وَغَيْرُهُمْ قَدْ هَاجَرُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَجَعْفَرٌ هَاجَرَ إِلَى
الْحَبَشَةِ ، فَاسْتَوْلَى
عَقِيلٌ عَلَى رِبَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى رِبَاعِ
آلِ أَبِي طَالِبٍ .
وَأَمَا رِبَاعُ
الْعَبَّاسِ فَالْعَبَّاسُ كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ
الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ
بِمَكَّةَ ابْنُهُ
أَبُو سُفْيَانَ ، وَابْنُهُ
رَبِيعَةُ .
وَأَمَّا
أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ
بِمَكَّةَ إِلَّا
عَقِيلٌ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ فَاسْتَوْلَى
عَقِيلٌ عَلَى هَذَا وَهَذَا ; فَلِهَذَا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350417وَهَلْ تَرَكَ لَنَا [ ص: 860 ] عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ ؟ " وَإِلَّا فَبِأَيِّ طَرِيقٍ يَأْخُذُ مِلْكَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَيٌّ ، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَارِثَهُ لَوْ كَانَ يُوَرَّثُ ؟
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24007_24340الْكُفَّارَ الْمُحَارِبِينَ إِذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ أَسْلَمُوا كَانَتْ لَهُمْ ، وَلَمْ تُرَدَّ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّهَا أُخِذَتْ فِي اللَّهِ ، وَأُجُورُهُمْ فِيهَا عَلَى اللَّهِ لِمَا أَتْلَفَهُ الْكُفَّارُ مِنْ دِمَائِهِمْ ، وَأَمْوَالِهِمْ ، فَالشُّهَدَاءُ لَا يُضْمَنُونَ ، وَلَوْ أَسْلَمَ قَاتِلُ الشَّهِيدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ أَسْلَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عَرَفَ مَنْ قَتَلُوهُ مِثْلَ
وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ قَاتِلِ
حَمْزَةَ وَمِثْلَ قَاتِلِ
النُّعْمَانِ بْنِ قَوْقَلٍ وَغَيْرِهِمَا ، فَلَمْ يَطْلُبِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا بِشَيْءٍ عَمَلًا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) .
[ ص: 861 ] وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّونَ : قَدْ أَسْلَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2265طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ بَعْدَ رِدَّتِهِ ، وَقَدْ قَتَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=5735عُكَاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ ، فَلَمْ يُضَمِّنْهُ
أَبُو بَكْرٍ ،
وَعُمَرُ ، وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ لَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً . وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُرْتَدُّونَ ، وَالْمُحَارِبُونَ لَمَّا عَادُوا إِلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يُضَمِّنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .
وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا يَنْصُرُونَ الضَّمَانَ ، وَكَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ
أَحْمَدَ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ ، وَأَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ هُوَ قَوْلُ
أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ
أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى قَوْلِ
أَبِي بَكْرٍ ، وَأَنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ ، وَالْمُحَارِبِينَ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنَ النُّفُوسِ ، وَالْأَمْوَالِ كَأَهْلِ الْحَرْبِ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ ، فَإِنَّ فِيهِنَّ نِزَاعًا فِي مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، وَالصَّوَابُ فِيهِمْ : الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا .
وَكَذَلِكَ الْبُغَاةُ الْمُتَأَوِّلُونَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَالْمُقْتَتِلِينَ " بِالْجَمَلِ "
[ ص: 862 ] " وَصِفِّينَ " لَا يُضَمَّنُونَ مَا أَتْلَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِتَالِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِ
أَحْمَدَ .
[ ص: 863 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : " وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ جُرْحٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ ، أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ . " يَعْنِي : لَمَّا كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَإِنْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي التَّأْوِيلِ كَالْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ ، وَيُؤَاخَذُ كَالطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ عَلَى عَصَبِيَّةٍ .
[ ص: 864 ] وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُقَاتِلُ عَصَبِيَّةً لَا عَلَى حَقٍّ : فَهَؤُلَاءِ تَضْمَنُ كُلُّ طَائِفَةٍ مَا أَتْلَفَتْهُ عَلَى الْأُخْرَى ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) .
nindex.php?page=treesubj&link=9883وَالْمُحَارِبُونَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ الْعَالِمُونَ بِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ مُحَرَّمٌ يَضْمَنُونَ ، وَإِذَا تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ حُدُودُ اللَّهِ كَمَا تَسْقُطُ عَنِ الْكُفَّارِ الْمُمْتَنِعِينَ إِذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ .
وَهَلْ يُعَاقَبُونَ بِحُدُودِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدُهُمْ قِصَاصًا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ : قِيلَ : يُؤْخَذُونَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَالْقَوَدِ ، وَقِيلَ : لَا يُؤْخَذُونَ ، وَمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ يُؤْخَذُ بِلَا نِزَاعٍ .
وَمَا أَتْلَفُوهُ هَلْ يَضْمَنُونَهُ مَعَ الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ ، كَالسَّارِقِ فَإِنَّهُ إِذَا وُجِدَ مَعَهُ الْمَالُ أُخِذَ سَوَاءٌ قُطِعَتْ يَدُهُ ، أَوْ لَمْ تُقْطَعْ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَهُ ، فَهَلْ يَغْرَمُ مَعَ الْقَطْعِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، قِيلَ : يَغْرَمُ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، وَقِيلَ : لَا يَغْرَمُ كَقَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقِيلَ : يَغْرَمُ مَعَ الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ كَقَوْلِ
مَالِكٍ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) ، دَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُحَارِبِينَ لَا يَرِثُونَ الْمُسْلِمِينَ
[ ص: 865 ] وَلَا يُعْطَوْنَ دِيَتَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ كُفَّارٌ وَالْكُفَّارُ لَا يَرِثُونَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا فِيمَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ ، فَتَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْعِصْمَةُ الْمُوَرِّثَةُ دُونَ الْمُضَمِّنَةِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ .
وَقِيلَ : بَلْ فِيمَنْ ظَنَّهُ الْقَاتِلُ كَافِرًا ، وَكَانَ مَأْمُورًا بِقَتْلِهِ ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الدِّيَةُ لِذَلِكَ ، كَمَا يَقُولُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ،
وَأَحْمَدُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
وَهَؤُلَاءِ يَخُصُّونَ الْآيَةَ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْإِسْلَامُ ، وَأُولَئِكَ يَخُصُّونَهَا بِمَنْ أَسْلَمَ ، وَلَمْ يُهَاجِرْ . وَالْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِ إِذَا قَتَلَ ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) ، وَلَمْ يَقُلْ : ( مِنْ عَدُوِّكُمْ ) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33492الْقَتْلَ إِذَا كَانَ خَطَأً كَمَنْ رَمَى عِرْضًا ، فَأَصَابَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ أَهْلَهُ لَا يَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْلِمُونَ ، وَلَا بَيْتُ الْمَالِ ، فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَرِثُونَ مِثْلَ هَذَا الْمُسْلِمِ ، كَمَا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350438لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ ، وَالْمُنَاصَرَةُ بَيْنَهُمْ مُنْقَطِعَةٌ ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَالْمِيرَاثُ لَا يَكُونُ مَعَ الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ ، بَلْ مَعَ الْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَيْسُوا عَدُوًّا مُحَارِبًا ، وَقَتِيلُهُمْ مَضْمُونٌ ، فَإِذَا وَرِثَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ كَانَ هَذَا مُوَافِقًا لِلْأُصُولِ ، وَقَوْلُهُ : " الْكَافِرُ " أُرِيدَ بِهِ الْكَافِرُ الْمُطْلَقُ ، وَهُوَ الْمُعَادِي الْمُحَارِبُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمُنَافِقُ ، وَلَا الْمُرْتَدُّ ، وَلَا الذِّمِّيُّ . فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يَرِثُ الْمُنَافِقَ لِكَوْنِهِ مُسَالِمًا لَهُ مُنَاصِرًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ ، فَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ ، وَبَعْضُ الْمُنَافِقِينَ شَرٌّ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ .
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=13661يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِالْمُوَالَاةِ ، وَهُوَ أَحَدُ
[ ص: 866 ] الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَدَ : نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ :
حَنْبَلٌ ،
وَأَبِي طَالِبٍ ،
وَالْمَرُّوذِيُّ ،
وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمُسْلِمِ يُعْتِقُ الْعَبْدَ النَّصْرَانِيَّ ، ثُمَّ يَمُوتُ الْعَتِيقُ : يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347626الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " .
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنَ التَّوْرِيثِ : لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ وَلَكِنْ لَا يَرِثُ بِهِ .
قَالَ الْمُوَرِّثُونَ : ثُبُوتُ الْوَلَاءِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ حُكْمِهِ ، وَالْمِيرَاثُ مِنْ حُكْمِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16472عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ
جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350439لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ ، أَوْ أَمَتَهُ " .
[ ص: 867 ] قَالُوا : وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِهِ
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=12وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : فَرَوَى
أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ ، عَنِ
الْحَارِثِ ، عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لَهُ أَوْ أَمَتَهُ " .
[ ص: 868 ] وَكَذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - .
قَالَ الْمَانِعُونَ : الْمُرَادُ بِهَذَا الْعَبْدِ الْقِنُّ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَمَاتَ فَإِنَّ سَيِّدَهُ يَأْخُذُ مَالَهُ .
قَالَ الْمُوَرِّثُونَ : لَا يَصِحُّ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْقِنَّ لَا مَالَ لَهُ فَيُورَثُ عَنْهُ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ كَانَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ كَمَا حَمَلْتُمْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350440مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ " ، وَقُلْتُمْ : مَعْنَاهُ الَّذِي كَانَ عَبْدَهُ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي
بِلَالٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350441أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ " .
[ ص: 869 ] [ ص: 870 ] [ ص: 871 ] قَالُوا : وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ اخْتِلَافُ الدِّينِ ، لِوِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى أَمَتِهِ ، وَلِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْهُ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ لَنَسَبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ جَزَاءٌ عَلَى نِعْمَةِ الْمُعْتِقِ ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ، وَكَمَالِهَا : فَأَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْمِيرَاثِ أَحَقُّهُمْ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ .
يُؤَكِّدُهُ : أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ يَجْرِي مَجْرَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَلِهَذَا يَرِثُ بِهِ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ ، دُونَ الْعَتِيقِ عِوَضًا عَنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ بِالْعِتْقِ .
قَالَ الْمَانِعُونَ : الْكُفْرُ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ ، فَلَمْ يَرِثْ بِهِ الْمُعْتِقُ ، كَالْقَتْلِ .
قَالَ الْمُوَرِّثُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=13666الْقَاتِلُ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ ، وَمُعَاقَبَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ . وَهَاهُنَا عِلَّةُ الْمِيرَاثِ الْإِنْعَامُ ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ لَا يَكُونُ مِنْ عِلَلِهِ ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ، وَهِيَ :
[ الْأُولَى : ] تَوْرِيثُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ قِسْمَتِهِ .
[ الثَّانِيَةُ : ] وَتَوْرِيثُ الْمُعْتِقِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ بِالْوَلَاءِ .
[ الثَّالِثَةُ : ] وَتَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ قَرِيبَهُ الذِّمِّيَّ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .
وَأَمَّا الْمَسْأَلَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ فَلَمْ يُعْلَمْ عَنِ الصَّحَابَةِ فِيهِمَا نِزَاعٌ ، بَلِ
[ ص: 872 ] الْمَنْقُولُ عَنْهُمُ التَّوْرِيثُ .
قَالَ شَيْخُنَا : " وَالتَّوْرِيثُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى وَفْقِ أُصُولِ الشَّرْعِ ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ إِنْعَامٌ وَحَقٌّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ ، وَالْقِتَالِ عَنْهُمْ ، وَحِفْظِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَفِدَاءِ أَسْرَاهُمْ ، فَالْمُسْلِمُونَ يَمْنَعُونَهُمْ ، وَيَنْصُرُونَهُمْ ، وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ ، فَهُمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ .
وَالَّذِينَ مَنَعُوا الْمِيرَاثَ قَالُوا : مَبْنَاهُ عَلَى الْمُوَالَاةِ : وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ ، فَأَجَابَهُمُ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُوَالَاةِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي تُوجِبُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَبَيْنَ أَعْظَمِ أَعْدَائِهِمْ ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) .
فَوِلَايَةُ الْقُلُوبِ لَيْسَتْ هِيَ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْمِيرَاثِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالتَّنَاصُرِ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْصُرُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ فَيَرِثُونَهُمْ ، وَلَا يَنْصُرُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يَرِثُونَهُمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .