264 - فصل
[ فيما ينقض العهد الشافعي ] . مذهب الإمام
وأما مذهب رحمه الله تعالى فقد قال في " الأم " : " وإذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب وذكر الشروط إلى أن قال : " وعلى أن أحدا منكم إن ذكر الشافعي محمدا أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكر به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين ، ونقض ما أعطي من الأمان ، وحل لأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب ودماؤهم ، وعلى أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلمة بزنى أو اسم نكاح ، أو قطع الطريق على مسلم ، أو فتن مسلما عن دينه ، أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورات المسلمين أو إيواء لعيونهم ، فقد نقض عهده وأحل دمه وماله .
[ ص: 1371 ] وإن نال مسلما بما دون هذا في ماله أو عرضه لزمه فيه الحكم " .
ثم قال : " فهذه الشروط لازمة [ له ] إن رضيها فيها ، فإن لم يرضها فلا عقد له ولا جزية " .
ثم قال : " وأيهم قال أو فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولا ، وكذلك إذا كان فعلا لم يقتل إلا أن يكون في دين المسلمين أن من فعله قتل حدا أو قصاصا ، فيقتل بحد أو قصاص لا بنقض عهد ، وإن فعل ما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ، لكنه قال : " أتوب وأعطي الجزية كما كنت أعطيها ، أو [ على ] صلح أجدده " عوقب ولم يقتل إلا أن يكون فعل فعلا يوجب القصاص والحد ، فأما ما دون هذا من الفعل والقول فكل قول يعاقب عليه ولا يقتل .
قال : فإن فعل أو قال ما وصفنا وشرط أن يحل دمه فظفر به فامتنع من أن يقول : " أسلم أو أعطي الجزية " قتل وأخذ ماله فيئا " .
ونص في " الأم " أيضا أن العهد لا ينتقض بقطع الطريق ولا بقتل المسلم ولا بالزنى بالمسلمة ولا بالتجسس ، بل يحد فيما فيه الحد ، ويعاقب عقوبة منكلة فيما فيه العقوبة ، ولا يقتل إلا بأنه يجب عليه القتل .
[ ص: 1372 ] قال : ولا يكون النقض للعهد إلا بمنع الجزية أو الحكم بعد الإقرار والامتناع بذلك . ولو قال : " أؤدي الجزية ولا أقر بالحكم " نبذ إليه ولم يقاتل على ذلك مكانه ، وقيل له : قد تقدم لك أمان [ بأدائك ] للجزية وإقرارك بها ، وقد أجلناك في أن تخرج من بلاد الإسلام ، ثم إذا خرج مبلغ مأمنه قتل إن قدر عليه . هذا لفظه .
وحكى ابن المنذر والخطابي عن أيضا : أن عهده ينتقض بسب النبي صلى الله عليه وسلم ويقتل . الشافعي
وأما أصحابه فذكروا - فيما إذا ذكر الله أو رسوله بسوء - وجهين :
أحدهما : ينتقض عهده بذلك سواء شرط عليه تركه أو لم يشترط - كما إذا قاتلوا المسلمين أو امتنعوا من التزام الحكم - كطريقة أبي الحسين من أصحابنا ، وهذه طريقة . أبي إسحاق المروزي
ومنهم من خص سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بأنه يوجب القتل .
[ ص: 1373 ] والثاني : أن السب كالأفعال التي على المسلمين فيها ضرر من قتل المسلم والزنى بالمسلمة والجس وما ذكر معه .
وذكروا في تلك الأمور وجهين :
أحدهما : أنه إن لم يشرط عليهم تركها بأعيانها لم ينتقض العهد بفعلها ، وإن شرط عليهم تركها بأعيانها ففي انتقاض العهد بذلك وجهان .
والثاني : لا ينتقض العهد بفعلها مطلقا .
ومنهم من حكى هذه الوجوه أقوالا وهي أقوال مشار إليها ، فيجوز أن تسمى أقوالا ووجوها .
هذه طريقة العراقيين ، وقد صرحوا بأن المراد شرط تركها لا شرط انتقاض العهد بفعلها كما ذكره أصحاب أحمد .
وأما الخراسانيون فقالوا : المراد بالاشتراط هنا شرط انتقاض العهد بفعلها لا شرط تركها .
قالوا : إن الشرط موجب نفس العقد وذكروا في تلك الخصال المضرة ثلاثة أوجه :
أحدها : ينتقض العهد بفعلها .
والثاني : لا ينتقض .
والثالث : إن شرط في العقد انتقاض العهد بفعلها انتقض وإلا فلا .
ومنهم من قال : إن شرط نقض ؛ وجها واحدا ، وإن لم يشرط فوجهان .
[ ص: 1374 ] وحسبوا أن مراد العراقيين بالاشتراط هذا فقالوا - حكاية عنهم - : وإن لم يجر شرط لم ينتقض العهد ، وإن جرى فوجهان . ويلزم من هذا أن يكون العراقيون قائلين بأنه إن لم يجر شرط الانتقاض بهذه الأشياء لم ينتقض بها ، قولا واحدا ، وإن صرح بشرط تركها انتقض .
وهذا غلط عليهم ، والذي نصروه في كتب الخلاف : أن سب النبي صلى الله عليه وسلم ينقض العهد ويوجب القتل ، كما ذكرناه عن نفسه . الشافعي