وعمدة الفلاسفة على
nindex.php?page=treesubj&link=29620_28627قدم العالم هو قولهم يمتنع
[1] حدوث الحوادث بلا سبب حادث ، فيمتنع تقدير ذات معطلة
[2] عن الفعل لم تفعل ، ثم فعلت من غير حدوث سبب .
وهذا القول لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم لا الأفلاك ، ولا
[ ص: 149 ] غيرها إنما يدل على أنه لم يزل فعالا ، وإذا
[3] قدر أنه فعال لأفعال تقوم بنفسه أو مفعولات حادثة شيئا بعد شيء كان ذلك وفاء بموجب هذه الحجة مع القول بأن كل ما سوى الله محدث [ مخلوق ]
[4] بعد أن لم يكن ، [ كما أخبرت الرسل أن الله خالق كل شيء ]
[5] ، وإن كان النوع لم يزل متجددا ، كما في الحوادث المستقبلة كل منها حادث [ مخلوق ]
[6] ، وهي لا تزال تحدث شيئا بعد شيء .
قال هؤلاء : والله قد
[7] أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، وأخبر أنه خالق كل شيء ، ولا يكون المخلوق إلا مسبوقا [ بالعدم ]
[8] ،
nindex.php?page=treesubj&link=29628فالقرآن يدل على أن كل [9] ما سوى الله مخلوق مفعول محدث .
فليس شيء من الموجودات مقارنا لله تعالى ، كما يقوله [ دهرية ]
[10] الفلاسفة : إن العالم معلول له ، وهو موجب له مفيض له ، وهو متقدم
[11] عليه بالشرف ، والعلية
[12] ، والطبع ، وليس متقدما عليه بالزمان ، فإنه لو كان
[ ص: 150 ] علة تامة موجبة يقترن بها معلولها - كما زعموا - لم يكن في العالم شيء محدث ، فإن ذلك المحدث لا يحدث عن علة تامة أزلية يقارنها معلولها ، فإن المحدث المعين لا يكون أزليا .
وسواء قيل . إنه حدث بوسط أو بغير وسط
[13] - كما يقولون : إن الفلك تولد عنه بوسط عقل ، أو عقلين ، أو غير ذلك مما يقال - فإن كل قول يقتضي أن يكون شيء
[14] من العالم قديما لازما لذات الله فهو باطل ; لأن ذلك يستلزم كون البارئ موجبا بالذات بحيث يقارنه
[15] موجبه إذ لولا ذلك لما قارنه بذلك الشيء ، ولو كان موجبا بالذات لم يتأخر عنه شيء من موجبه ومقتضاه ، فكان يلزم أن لا يكون في العالم شيء محدث .
وَعُمْدَةُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29620_28627قِدَمِ الْعَالَمِ هُوَ قَوْلُهُمْ يَمْتَنِعُ
[1] حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ ، فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيرُ ذَاتٍ مُعَطَّلَةٍ
[2] عَنِ الْفِعْلِ لَمْ تَفْعَلْ ، ثُمَّ فَعَلَتْ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ سَبَبٍ .
وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْعَالَمِ لَا الْأَفْلَاكِ ، وَلَا
[ ص: 149 ] غَيْرِهَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَعَّالًا ، وَإِذَا
[3] قُدِّرَ أَنَّهُ فَعَّالٌ لِأَفْعَالٍ تَقُومُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَفْعُولَاتٍ حَادِثَةٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ وَفَاءً بِمُوجِبِ هَذِهِ الْحُجَّةِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ [ مَخْلُوقٌ ]
[4] بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، [ كَمَا أَخْبَرَتِ الرُّسُلُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ]
[5] ، وَإِنْ كَانَ النَّوْعُ لَمْ يَزَلْ مُتَجَدِّدًا ، كَمَا فِي الْحَوَادِثِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كُلٌّ مِنْهَا حَادِثٌ [ مَخْلُوقٌ ]
[6] ، وَهِيَ لَا تَزَالُ تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ .
قَالَ هَؤُلَاءِ : وَاللَّهُ قَدْ
[7] أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يَكُونُ الْمَخْلُوقُ إِلَّا مَسْبُوقًا [ بِالْعَدَمِ ]
[8] ،
nindex.php?page=treesubj&link=29628فَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ [9] مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ مَفْعُولٌ مُحْدَثٌ .
فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مُقَارِنًا لِلَّهِ تَعَالَى ، كَمَا يَقُولُهُ [ دَهْرِيَّةُ ]
[10] الْفَلَاسِفَةِ : إِنَّ الْعَالَمَ مَعْلُولٌ لَهُ ، وَهُوَ مُوجِبٌ لَهُ مُفِيضٌ لَهُ ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ
[11] عَلَيْهِ بِالشَّرَفِ ، وَالْعَلِيَّةِ
[12] ، وَالطَّبْعِ ، وَلَيْسَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ
[ ص: 150 ] عِلَّةً تَامَّةً مُوجِبَةً يَقْتَرِنُ بِهَا مَعْلُولُهَا - كَمَا زَعَمُوا - لَمْ يَكُنْ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مُحْدَثٌ ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُحْدَثَ لَا يَحْدُثُ عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ يُقَارِنُهَا مَعْلُولُهَا ، فَإِنَّ الْمُحْدَثَ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ أَزَلِيًّا .
وَسَوَاءٌ قِيلَ . إِنَّهُ حَدَثَ بِوَسَطٍ أَوْ بِغَيْرِ وَسَطٍ
[13] - كَمَا يَقُولُونَ : إِنَّ الْفَلَكَ تَوَلَّدَ عَنْهُ بِوَسَطِ عَقْلٍ ، أَوْ عَقْلَيْنِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُقَالُ - فَإِنَّ كُلَّ قَوْلٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ
[14] مِنَ الْعَالَمِ قَدِيمًا لَازِمًا لِذَاتِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْبَارِئِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ بِحَيْثُ يُقَارِنُهُ
[15] مُوجَبِهِ إِذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَارَنَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجَبِهِ وَمُقْتَضَاهُ ، فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مُحْدَثٌ .