الوجه الثالث :
أن يقال : هم يقولون بأن
nindex.php?page=treesubj&link=29620_28627الواجب [1] فياض دائم الفيض ، وإنما يتخصص بعض الأوقات بالحدوث لما يتجدد من حدوث الاستعداد والقبول ، وحدوث الاستعداد والقبول هو سبب حدوث الحركات .
وهذا كلام باطل ، فإن هذا إنما يتصور إذا كان الفاعل
[2] الدائم الفيض ليس هو المحدث لاستعداد القبول ، كما يدعونه في العقل
[ ص: 155 ] الفعال ، فيقولون : إنه دائم الفيض ، ولكن يحدث استعداد القوابل بسبب حدوث الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية ، وتلك ليست صادرة عن العقل الفعال ، وإنما .
[3] في المبدع الأول ، فهو المبدع لكل ما سواه ، فعنه يصدر الاستعداد والقبول والقابل والمقبول .
وحينئذ فيقال : إذا كان علة تامة موجبا بذاته ، وهو دائم الفيض لا يتوقف فيضه على [ شيء ]
[4] غيره أصلا لزم أن يكون كل ما يصدر عنه بواسطة أو بغير واسطة
[5] لازما له قديما بقدمه ، فلا يحدث عنه شيء لا بوسط ولا بغير وسط ; لأن فعله وإبداعه لا يتوقف على استعداد أو قبول
[6] يحدث عن غيره ، ولكن هو المبدع للشرط والمشروط والقابل والمقبول والاستعداد ، وما يفيض على المستعد ، وإذا كان وحده هو الفاعل لذلك كله امتنع أن يكون علة تامة أزلية مستلزمة لمعلولها ; لأن ذلك يوجب أن يكون معلوله كله أزليا قديما بقدمه ، وكل ما سواه معلول له ، فيلزم أن يكون كل ما سواه قديما أزليا ، وهذا مكابرة للحس .
ومن تدبر هذا وفهمه تبين له أن فساد قول هؤلاء معلوم بالضرورة بعد التصور التام .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ :
أَنْ يُقَالَ : هُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29620_28627الْوَاجِبَ [1] فَيَّاضٌ دَائِمُ الْفَيْضِ ، وَإِنَّمَا يَتَخَصَّصُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِالْحُدُوثِ لِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ حُدُوثِ الِاسْتِعْدَادِ وَالْقَبُولِ ، وَحُدُوثُ الِاسْتِعْدَادِ وَالْقَبُولِ هُوَ سَبَبُ حُدُوثِ الْحَرَكَاتِ .
وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ ، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ
[2] الدَّائِمُ الْفَيْضِ لَيْسَ هُوَ الْمُحْدِثَ لِاسْتِعْدَادِ الْقَبُولِ ، كَمَا يَدَّعُونَهُ فِي الْعَقْلِ
[ ص: 155 ] الْفَعَّالِ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّهُ دَائِمُ الْفَيْضِ ، وَلَكِنْ يُحْدِثُ اسْتِعْدَادَ الْقَوَابِلِ بِسَبَبِ حُدُوثِ الْحَرَكَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَالِاتِّصَالَاتِ الْكَوْكَبِيَّةِ ، وَتِلْكَ لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ ، وَإِنَّمَا .
[3] فِي الْمُبْدِعِ الْأَوَّلِ ، فَهُوَ الْمُبْدِعُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ ، فَعَنْهُ يَصْدُرُ الِاسْتِعْدَادُ وَالْقَبُولُ وَالْقَابِلُ وَالْمَقْبُولُ .
وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ : إِذَا كَانَ عِلَّةً تَامَّةً مُوجِبًا بِذَاتِهِ ، وَهُوَ دَائِمُ الْفَيْضِ لَا يَتَوَقَّفُ فَيْضُهُ عَلَى [ شَيْءٍ ]
[4] غَيْرِهِ أَصْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ
[5] لَازِمًا لَهُ قَدِيمًا بِقِدَمِهِ ، فَلَا يَحْدُثُ عَنْهُ شَيْءٌ لَا بِوَسَطٍ وَلَا بِغَيْرِ وَسَطٍ ; لِأَنَّ فِعْلَهُ وَإِبْدَاعَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَوْ قَبُولٍ
[6] يَحْدُثُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَكِنْ هُوَ الْمُبْدِعُ لِلشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ وَالْقَابِلِ وَالْمَقْبُولُ وَالِاسْتِعْدَادِ ، وَمَا يَفِيضُ عَلَى الْمُسْتَعِدِّ ، وَإِذَا كَانَ وَحْدَهُ هُوَ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ كُلِّهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً مُسْتَلْزِمَةً لِمَعْلُولِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولُهُ كُلُّهُ أَزَلِيًّا قَدِيمًا بِقِدَمِهِ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَعْلُولٌ لَهُ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا ، وَهَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ .
وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَفَهِمَهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ فَسَادَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ .