[ ص: 445 ] قال هؤلاء
للمعتزلة والشيعة [1] : ولما كان هذا الدليل عمدتكم ، استطال عليكم الفلاسفة الدهرية ،
nindex.php?page=showalam&ids=13251كابن سينا وأمثاله ،
nindex.php?page=treesubj&link=28831وهذا الدليل مناف في الحقيقة لحدوث العالم لا مستلزم له ، فإنه إذا كان هذا الحادث لا بد له من سبب حادث ، وكان هذا الدليل مستلزما لحدوث الحادث بلا سبب ، لزم أن لا يكون الله أحدث شيئا . فإذا جوزنا ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح ، انسد طريق إثبات الصانع الذي سلكتموه .
وقالوا أيضا
للمعتزلة والشيعة [2] : أنتم مع هذا عللتم
[3] أفعال الله تعالى بعلل حادثة . فيقال لكم : هل توجبون للحوادث سببا حادثا أم لا ؟ فإن قلتم : نعم ، لزم تسلسل الحوادث ، وبطل ما ذكرتموه .
وإن لم توجبوا ذلك ، قيل لكم : وكذلك ليس لها غاية حادثة بعدها ، فإن المعقول أن الفاعل المحدث لا بد لفعله من سبب ولا بد له من غاية . فإذا قلتم : لا سبب لإحداثه . قيل لكم : ولا غاية مطلوبة له بالفعل .
فإن قلتم : لا يعقل فاعل لا يريد حكمة إلا وهو عابث
[4] . قيل لكم : ولا نعقل فاعلا يحدث شيئا بغير سبب حادث أصلا ، بل هذا أشد امتناعا في العقل من ذاك ، فلماذا أثبتم الغاية ونفيتم السبب الحادث ؟ .
[ ص: 446 ] وقيل لكم
[5] أيضا : الذي يعقل من الفاعل أن يفعل لغاية تعود إليه ، وأما
[6] فاعل يفعل لغاية تعود إلى غيره ، فهذا غير معقول .
وإذا كان هذا قول
الشيعة المتبعين
للمعتزلة في حكمة الله تعالى ، فقد يقال : [ قول ]
[7] من يقول : إنه يفعل لمحض المشيئة بلا علة
[8] ، خير من هذا القول ، فإن هذا سلم
[9] من التسلسل ، وسلم من كونه يفعل لحكمة منفصلة عنه .
والمعتزلة تسلم له
[10] امتناع التسلسل ، فعلم أن قول هؤلاء خير من قول هذا المنكر عليهم .
وأما من قال بالتعليل من أهل [ السنة ] والحديث ، [ كما تقدم ] ، فذاك
[11] سلم من هذا وهذا ، وقد كتبت في مسألة التعليل مصنفا
[12] مستقلا بنفسه لما سئلت عنها
[13] وليس هذا موضع بسطه .
والمقصود هنا التنبيه على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29613_29614_28833أقوال أهل السنة خير من أقوال الشيعة ، وأنه إن كان قول بعض أهل السنة ضعيفا ، فقول الشيعة أضعف منه
[ ص: 445 ] قَالَ هَؤُلَاءِ
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ [1] : وَلَمَّا كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ عُمْدَتَكُمْ ، اسْتَطَالَ عَلَيْكُمُ الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13251كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28831وَهَذَا الدَّلِيلُ مُنَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ لِحُدُوثِ الْعَالَمِ لَا مُسْتَلْزِمَ لَهُ ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ ، وَكَانَ هَذَا الدَّلِيلُ مُسْتَلْزِمًا لِحُدُوثِ الْحَادِثِ بِلَا سَبَبٍ ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ أَحْدَثَ شَيْئًا . فَإِذَا جَوَّزْنَا تَرْجِيحَ أَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ بِلَا مُرَجِّحٍ ، انْسَدَّ طَرِيقُ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ الَّذِي سَلَكْتُمُوهُ .
وَقَالُوا أَيْضًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ [2] : أَنْتُمْ مَعَ هَذَا عَلَّلْتُمْ
[3] أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى بِعِلَلٍ حَادِثَةٍ . فَيُقَالُ لَكُمْ : هَلْ تُوجِبُونَ لِلْحَوَادِثِ سَبَبًا حَادِثًا أَمْ لَا ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ : نَعَمْ ، لَزِمَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ ، وَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ .
وَإِنْ لَمْ تُوجِبُوا ذَلِكَ ، قِيلَ لَكُمْ : وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ حَادِثَةٌ بَعْدَهَا ، فَإِنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُحْدِثَ لَا بُدَّ لِفِعْلِهِ مِنْ سَبَبٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَايَةٍ . فَإِذَا قُلْتُمْ : لَا سَبَبَ لِإِحْدَاثِهِ . قِيلَ لَكُمْ : وَلَا غَايَةَ مَطْلُوبَةٌ لَهُ بِالْفِعْلِ .
فَإِنْ قُلْتُمْ : لَا يُعْقَلُ فَاعِلٌ لَا يُرِيدُ حِكْمَةً إِلَّا وَهُوَ عَابِثٌ
[4] . قِيلَ لَكُمْ : وَلَا نَعْقِلُ فَاعِلًا يُحْدِثُ شَيْئًا بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ أَصْلًا ، بَلْ هَذَا أَشَدُّ امْتِنَاعًا فِي الْعَقْلِ مِنْ ذَاكَ ، فَلِمَاذَا أَثْبَتُّمُ الْغَايَةَ وَنَفَيْتُمُ السَّبَبَ الْحَادِثَ ؟ .
[ ص: 446 ] وَقِيلَ لَكُمْ
[5] أَيْضًا : الَّذِي يُعْقَلُ مِنَ الْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَ لِغَايَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ ، وَأَمَّا
[6] فَاعِلٌ يَفْعَلُ لِغَايَةٍ تَعُودُ إِلَى غَيْرِهِ ، فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ .
وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ
الشِّيعَةِ الْمُتَّبِعِينَ
لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَدْ يُقَالُ : [ قَوْلُ ]
[7] مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ يَفْعَلُ لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ بِلَا عِلَّةٍ
[8] ، خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ ، فَإِنَّ هَذَا سَلِمَ
[9] مِنَ التَّسَلْسُلِ ، وَسَلِمَ مِنْ كَوْنِهِ يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ .
وَالْمُعْتَزِلَةُ تُسَلِّمُ لَهُ
[10] امْتِنَاعَ التَّسَلْسُلِ ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ هَذَا الْمُنْكِرِ عَلَيْهِمْ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّعْلِيلِ مِنْ أَهْلِ [ السُّنَّةِ ] وَالْحَدِيثِ ، [ كَمَا تَقَدَّمَ ] ، فَذَاكَ
[11] سَلِمَ مِنْ هَذَا وَهَذَا ، وَقَدْ كَتَبْتُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيلِ مُصَنَّفًا
[12] مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَمَّا سُئِلْتُ عَنْهَا
[13] وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29613_29614_28833أَقْوَالَ أَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْ أَقْوَالِ الشِّيعَةِ ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ ضَعِيفًا ، فَقَوْلُ الشِّيعَةِ أَضْعَفُ مِنْهُ