والثالث من أسباب الخلاف التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق
وهو ، وأشباه ذلك ، وهو التقليد المذموم ، فإن الله ذم بذلك في كتابه بقوله : اتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ إنا وجدنا آباءنا على أمة الآية . ثم قال : قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون [ ص: 689 ] وقوله : هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون فنبههم على وجه الدليل الواضح فاستمسكوا بمجرد تقليد الآباء ، فقالوا : بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون وهو مقتضى الحديث المتقدم أيضا في قوله :
إلى آخره ، فإنه يشير إلى الاستنان بالرجال كيف كان . اتخذ الناس رؤساء جهالا
وفيما يروى عن ـ رضي الله عنه ـ : إياكم والاستنان بالرجال ، فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار ، فينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة ، فإن كنتم لا بد فاعلين ، فبالأموات لا بالأحياء . فهو إشارة إلى الأخذ بالاحتياط في الدين ، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة ، حتى يثبت فيه ويسأل عن حكمه ، إذ لعل المعتمد على عمله يعمل على خلاف السنة . ولذلك قيل : لا تنظر إلى عمل العالم . ولكن سله يصدقك . وقالوا : ضعف الروية أن يكون رأى فلانا يعمل مثله . ولعله فعله ساهيا . وليس من هذا القبيل عمل علي بن أبي طالب أهل المدينة . وما أشبه ذلك . لأنه دليل ثابت عند جماعة من العلماء على وجه ليس مما نحن فيه .
[ ص: 690 ] وقول علي ـ رضي الله عنه ـ : فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات نكتة في الموضع .
يعني الصحابة ، ومن جرى مجراهم ممن يؤخذ بقوله ويعتمد على فتواه . وأما غيرهم ممن لم يحل ذلك المحل فلا . كأن يرى الإنسان رجلا يحسن اعتقاده فيه يفعل فعلا محتملا أن يكون مشروعا أو غير مشروع فيقتدي به على الإطلاق ويعتمد عليه في التعبد . ويجعله حجة في دين الله ، فهذا هو الضلال بعينه . وما لم يتثبت بالسؤال والبحث عن حكم الفعل ممن هو أهل الفتوى .
وهذا الوجه هو الذي مال بأكثر المتأخرين من عوام المبتدعة ، إذا اتفق أن ينضاف إلى شيخ جاهل أو لم يبلغ مبلغ العلماء ، فيراه يعمل عملا فيظنه عبادة فيقتدي به . كائنا ما كان ذلك العمل . موافقا للشرع أو مخالفا . ويحتج به على من يرشده ويقول : كان الشيخ فلان من الأولياء وكان يفعله وهو أولى أن يقتدى به من علماء أهل الظاهر . فهو في الحقيقة راجع إلى تقليد من حسن ظنه فيه أخطأ أو أصاب . كالذين قلدوا آباءهم سواء . وإنما قصارى هؤلاء أن يقولوا : إن آباءنا أو شيوخنا لم يكونوا ينتحلون مثل هذه الأمور سدى .
وما هي إلا مقصودة بالدلائل والبراهين مع أنهم يرون ويرون أن لا دليل عليها . ولا برهان يقود إلى القول بها .