المسألة الثالثة عشرة
إن قد أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف ، إذ لو كان للحق فرق أيضا لم يقل إلا واحدة ولأن الاختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق ، لأنها الحاكمة بين المختلفين ، لقوله تعالى : قوله عليه الصلاة والسلام : إلا واحدة فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إذ رد التنازع إلى الشريعة ، فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة . وقوله : في شيء نكرة في سياق الشرط ، فهي صيغة من صيغ العموم . فتنتظم كل تنازع على العموم ، فالرد فيها لا يكون إلا لأمر واحد فلا يسع أن يكون أهل الحق فرقا . وقال تعالى : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل [ ص: 756 ] وهو نص فيما نحن فيه ، فإن السبيل الواحد لا يقتضي الافتراق ، بخلاف السبل المختلفة .
فإن قيل : فقد تقدم في المسألة العاشرة في حديث : ابن مسعود
واختلف من كان قبلنا على ثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها ثلاث وهلك سائرها إلى آخر الحديث ، فلو لزم ما قلت لم يجعل أولئك الفرق ثلاثا ، وكانوا فرقة واحدة ، وحين بينوا ظهر كلهم على الحق والصواب . فكذلك يجوز أن تكون الفرق في هذه الأمة ، لولا أن الحديث أخبر أن الناجية واحدة .
فالجواب أولا : أن ذلك الحديث لم نشترط الصحة في نقله ، إذ لم نجده في الكتب التي لدينا المشترط فيها الصحة .
وثانيا : أن تلك الفرق إن عدت هنا ثلاثا فإنما عدت هناك واحدة لعدم الاختلاف بينهم في أصل الاتباع ، وإنما الاختلاف في القدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عدمها ، وفي كيفية الأمر والنهي خاصة .
فهذه الفرق لا تنافي صحة الجمع بينهما ، فنحن نعلم أن : فمنهم من يقدر على ذلك باليد وهم الملوك والحكام ومن أشبههم ، ومنهم من يقدر باللسان كالعلماء ومن قام مقامهم ، ومنهم من لا يقدر إلا بالقلب - [ ص: 757 ] إما مع البقاء بين ظهرانيهم إذ لم يقدر على الهجرة أو مع الهجرة إن قدر عليها - وجميع ذلك خطة واحدة من خصال الإيمان ، ولذلك جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : المخاطبين في ملتنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مراتب ليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل .
فإذا كان كذلك فلا يضرنا عد الناجية في بعض الأحاديث ثلاثا باعتبار ، وعدها واحدة باعتبار آخر ، وإنما يبقى النظر في عدها اثنتين وسبعين، فتصير بهذا الاعتبار سبعين ، وهو معارض لما تقدم من جهة الجمع بين فرق هذه الأمة وفرق غيرها ، مع قوله : . لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع
ويمكن أن يكون في الجواب أحد أمرين : إما أن يترك الكلام في هذا رأسا إذا خالف الحديث الصحيح ، لأنه ثبت فيه إحدى وسبعين ، وفي حديث ابن مسعود : ثنتين وسبعين .
وإما أن يتأول أن الثلاثة التي نجت ليست فرقا ثلاثا ، وإنما هي فرقة واحدة انقسمت إلى المراتب الثلاث ، لأن الرواية الواقعة في تفسير هي قوله نجا منها ثلاث ولم يفسرها بثلاث فرق وإن كان هو ظاهر المساق . ولكن قصد الجمع بين الروايات ومعاني الحديث ألجأ إلى ذلك والله أعلم بما أراد رسوله من ذلك . عبد بن حميد
وقوله عليه الصلاة والسلام : ظاهر في العموم ، لأن كلا من صيغ العموم ، [ ص: 758 ] وفسره الحديث الآخر : كلها في النار إلا واحدة وهذا نص لا يحتمل التأويل . ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة