[ ص: 380 ] ثم قال رحمه الله تعالى : ( فصل ) ؟ على قولين ، فقالت طائفة : كلامه بغير مشيئته واختياره ، ثم انقسم هؤلاء أربع فرق . قالت فرقة : هو فيض فاض منه بواسطة العقل الفعال على نفس شريفة ، فتكلمت به كما يقول منشأ النزاع بين الطوائف أن الرب - تعالى - هل يتكلم بمشيئته أم كلامه بغير مشيئته وأتباعه ، وينسبونه إلى ابن سينا أرسطو .
وفرقة قالت : بل هو معنى قائم بذات الرب - تعالى - هو به متكلم ، وهو قول الكلابية ومن تبعهم ، وانقسم هؤلاء فرقتين : فرقة قالت : هو معان متعددة في أنفسها أمر ونهي ، وخبر واستخبار ، ومعنى جامع لهذه الأربعة . وفرقة قالت : بل هو معنى واحد بالعين لا ينقسم ولا يتبعض ، وفرقة قالت : كلامه هو هذه الحروف ، والأصوات خلقها خارجة عن ذاته ، فصار بها متكلما ، وهذا قول المعتزلة ، وهو في الأصل قول الجهمية ، تلقاه عنهم أهل الاعتزال فنسب إليهم . وفرقة قالت : يتكلم بقدرته ومشيئته كلاما قائما بذاته - سبحانه - كما يقوم به سائر أفعاله لكنه حادث النوع ، وعندهم أنه صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، كما قاله من لم نصفهم من المتكلمين أنه صار فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا ، فقول هؤلاء في الفعل المتصل كقول أولئك في الفعل المنفصل ، وهذا قول الكرامية .
وفرقة قالت : يتكلم بمشيئته ، وكلامه - سبحانه - هو الذي يتكلم به الناس كله ، حقه وباطله ، وصدقه وكذبه كما يقوله طوائف الاتحادية . وقال أهل الحديث والسنة : إنه لم يزل - سبحانه - متكلما إذا شاء ، ويتكلم بمشيئته ، ولم تتحدد له هذه الصفة ، بل كونه متكلما بمشيئته هو من لوازم ذاته المقدسة ، وهو بائن عن خلقه بذاته وصفاته وكلامه ، ليس متحدا بهم ولا حالا فيهم ، واختلفت الفرق ؟ فقالت فرقة : لا يسمع كلامه على الحقيقة ، إنما تسمع حكايته والعبارة عنه ، وهذا قول هل يسمع كلام الله على الحقيقة الكلابية ومن تبعهم ، وقالت بقية الطوائف : بل يسمع كلامه حقيقة . ثم اختلفوا ، فقالت فرقة : يسمعه كل أحد من الله تعالى ، وهذا قول الاتحادية . وقالت فرقة : بل لا يسمع إلا من غيره ، وعندهم أن موسى لم يسمع كلام الله منه ، فهذا قول الجهمية والمعتزلة ، وقال أهل السنة والحديث : يسمع [ ص: 381 ] كلامه - سبحانه - منه تارة بلا واسطة كما سمعه موسى وجبريل وغيرهما ، وكما يكلم عباده يوم القيامة ، ويكلم أهل الجنة ، ويكلم الأنبياء في الموقف ، ويسمع منه المبلغ عنه كما سمع الأنبياء الوحي من جبريل تبليغا عنه ، وكما سمع الصحابة القرآن من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله ، فسمعوا كلام الله بواسطة المبلغ ، وكذلك نسمع نحن بواسطة التالي ، فإذا قيل المسموع مخلوق أو غير مخلوق ؟ قيل : إن أردت المسموع عن الله - تعالى - فهو كلامه غير مخلوق ، وإن أردت المسموع من المبلغ ، ففيه تفصيل إن سألت عن الصوت الذي روي به كلام الله ، فهو مخلوق ، وإن سألت عن الكلام المؤدى بذلك الصوت ، فهو غير مخلوق .
والذين قالوا إن الله يتكلم بصوت أربع فرق :
فرقة قالت : يتكلم بصوت مخلوق منفصل عنه ، وهم المعتزلة ، وفرقة قالت : يتكلم بصوت قديم لم يزل ولا يزال ، وهم السالمية والاقترانية . وفرقة قالت : يتكلم بصوت حادث في ذاته بعد أن لم يكن ، وهم الكرامية . وقال أهل السنة والحديث : لم يزل الله - تعالى - متكلما بصوت إذا شاء .
والذين قالوا لا يتكلم بصوت فرقتان : أصحاب الفيض ، والقائلون إن الكلام معنى قائم بالنفس . انتهى ما أردنا إيراده من كلامه - رحمه الله تعالى - وقد أودع هذه الأقوال وغيرها في مسألة القرآن وغيرها في نونيته الشافية الكافية ، وأما مذهب أتباع الرسل فقد قدمنا فيه الشفاء الكافي من نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة بما لا يحتاج معه إلى غيره ، وبالله التوفيق .