وبعد إني باليقين أشهد شهادة الإخلاص أن لا يعبد بالحق مألوه سوى الرحمن
من جل عن عيب وعن نقصان
( وبعد ) هو ظرف زماني يؤتى به للتنبيه على ما بعده وفصله عما قبله ، ويبنى على الضم لقطعه عن الإضافة ، ويغني عن إعادة المضاف إليه ، ( إني باليقين ) القاطع الجازم بدون شك ولا تردد ، ( أشهد شهادة ) مصدر مؤكد ( الإخلاص ) مضاف إلى ( شهادة ) من إضافة الصفة إلى الموصوف ، ( أن ) مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن مستكن والتقدير أنه ، والخبر ( لا يعبد ) بضم الياء وفتح الباء بالبناء للمفعول ( بالحق ) يتعلق بـ ( يعبد ) ، ( مألوه ) نائب الفاعل لـ ( يعبد ) ، ومعناه معبود ، ( سوى ) أداة استثناء بمعنى إلا ( الرحمن ) أي لا معبود بحق إلا الله عز وجل ، والتقييد بحق يخرج به الآلهة المعبودة بباطل ، فإنها قد عبدت ، والمنفي هو استحقاق العبادة عن غير الله - عز وجل - لا وقوعها ، وهذه هي ، ولما لم يمكن في النظم الإتيان بلفظها نظمتها بمعناها ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - بسط القول في تفسيرها . شهادة أن لا إله إلا الله
[ ص: 74 ] ( من جل ) في صفات كماله ونعوت جلاله ( عن عيب وعن نقصان ) ، وهما لفظان مترادفان ، فكل عيب يسمى نقصانا ، وكل نقصان يسمى عيبا ، والله - سبحانه وتعالى - منزه عن ذلك كله ، بل له الجلال المطلق والكمال المطلق في ذاته وأسمائه ، وصفاته وأفعاله .
وأن خير خلقه محمدا من جاءنا بالبينات والهدى
رسوله إلى جميع الخلق بالنور والهدى ودين الحق
( و ) أشهد ( أن خير ) أفضل ( خلقه ) هاء الضمير يعود على الرحمن ، ( محمدا ) بدل من ( خير ) أو عطف بيان ، ومعناه الكثير المحامد ، فهو أبلغ من محمود . ( من جاءنا بالبينات والهدى ) من عند الله عز وجل ، هذه الجملة صلة ( من ) ، وهو محله النصب نعت لمحمد - صلى الله عليه وسلم - والخبر ( رسوله ) ، ، وهو من أوحي إليه وأمر بالتبليغ ، فإن أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ ، فهو نبي فقط ، فكل رسول نبي ولا عكس ، ( إلى جميع الخلق ) كافة ، قال الله عز وجل : ( الرسول بمعنى المرسل وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، ( سبأ : 28 ) ، وقال تعالى : ( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) ، ( الأعراف : 158 ) .
وفي الصحيح من حديث الخصائص : . وفيه أيضا : وكان الرسول يبعث في قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار . ( بالنور ) المبين ، وهو القرآن الذي قال الله [ ص: 75 ] - عز وجل - فيه : ( والذي نفس ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) ، ( النساء : 174 ) ، وقال تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ، ( الشورى : 52 ) الآية ، وقال تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) ، ( التغابن : 8 ) ، وغير ذلك من الآيات ، ( والهدى ) الإرشاد والدلالة إلى الصراط المستقيم ، ( ودين الحق ) الإسلام الذي لا يقبل الله - تعالى - من أحد غيره ، قال الله عز وجل : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) ، ( الصف : 9 ) ، وكل من القرآن والرسول والإسلام يسمى نورا وهدى وصراطا مستقيما . وكل الثلاثة متلازمة ، تقول أرسل الله - عز وجل - رسوله ، وأنزل عليه كتابه بدين الإسلام ، وتقول : دين الإسلام هو الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه ، وكل منها نور مبين ، وهدى مستبين ، وصراط مستقيم .