الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      [ ص: 1244 ] الخاتمة .


      ثم إلى هنا قد انتهيت وتم ما بجمعه عنيت     سميته بسلم الوصول
      إلى سما مباحث الأصول     والحمد لله على انتهائي
      كما حمدت الله في ابتدائي     أسأله مغفرة الذنوب
      جميعها والستر للعيوب     ثم الصلاة والسلام أبدا
      تغشى الرسول المصطفى محمدا     ثم جميع صحبه والآل
      السادة الأئمة الأبدال     تدوم سرمدا بلا نفاد
      ما جرت الأقلام بالمداد     ثم الدعا وصية القراء
      جميعهم من غير ما استثناء     أبياتها ( يسر ) بعد الجمل
      تأخيرها ( الغفران ) فافهم وادع لي

      .

      ( ثم إلى هنا ) الإشارة إلى آخر الكلام على الاعتصام بالكتاب والسنة ، وناسب جعل ذلك هو الخاتمة بكون الآية التي فيها الإشارة إلى ذلك هي من آخر ما نزل ، وهي قوله : اليوم أكملت لكم دينكم ( المائدة 3 ) بل السورة كلها من آخر ما نزل ، وروي أنها نزلت جملة ، ومن جهة أن الاعتصام بها آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع ، ثم في خطبته في غدير خم ، ثم كان من آخر ما تكلم به عند خروجه من الدنيا ، ( قد انتهيت ) أي اقتصرت على هذا القدر ، وفيه إن شاء الله تعالى كفاية ، ( وتم ) أي قضى ( ما ) أي الذي ( بجمعه ) في نظمي ( عنيت ) اهتممت له .

      ( سميته ) حين تم ( بسلم ) أي المرقاة التي يصعد فيها لأجل ( الوصول إلى سما ) بتثليث السين ( مباحث ) جمع مبحث ، وهو ما يحصل به فهم الحكم ( الأصول ) جمع أصل ، وهو ما يبنى عليه ، والمراد بها عند الإطلاق أصول الدين ، وهو ما يجب اعتقاده فيهن وهو المراد هنا ، وأما إذا أضيفت فهي بحسب المضاف إليه ، فأصول الحديث علم الاصطلاح الذي يبحث فيه عن تفاصيل أحوال السند ، والمتن وأحكامها ، وأصول الفقه ، علم يبحث فيه عن الدليل والمدلول وحال المستدل وغير ذلك ، وأصول العربية ، والنحو والصرف والمعاني [ ص: 1245 ] ، والبديع كل بحسبه وتعريفه في فنه .

      وقولنا ( سما مباحث الأصول ) وصف له بالسمو ، وهو العلو إشارة إلى أنه أعلى العلوم وأهمها وأوجبها وألزمها ; لأنه معرفة ما خلق الله له الخلق والدنيا والآخرة ، والجنة والنار ، وبه أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب ، وفيه وله شرع الجهاد ، وعليه يرتب الجزاء من الثواب والعقاب ، وغير ذلك ، فحقيق بعلم هذا قدره أن يكون هو أول ما يهتم به العبد ، وأعظم ما يبذل فيه جهده ، وينفق فيه عمره حتى يموت على ذلك ، وناسب تسمية الشرح بمعارج القبول ; لأن العروج هو الصعود والمعارج المصاعد ، فكان القارئ في هذا الشرح يصعد في السلم ، وأضيفت المعارج إلى القبول لمناسبة الوصول ; لأن من لم يقبل لم يصل بل يرد أو ينقطع .

      ( والحمد لله على ) جزيل النعمة التي منها أن قدر ( انتهائي ) أي إتمامي المتن المشتمل على معرفة الله تعالى ، ودينه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ( كما حمدت الله في ابتدائي ) في نظمه كما تقدم ، وذلك اقتداء بكلام الله تعالى حيث افتتح ذكر الخلق بالأمر فقال : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ( الأنعام 1 ) وختم ذكرهم فيما ينتهون إليه من الدارين بالحمد فقال : وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ( يونس 10 ) .

      ( أسأله ) أي أسأل الله ( مغفرة ) أي مغفرته تعالى ( الذنوب ) ذنوبي وجميع المسلمين ، والمغفرة ستر الذنب في الدنيا والآخرة ، والعفو عنه ، وعدم المؤاخذة به ( جميعها ) من صغائر وكبائر ، والاستغفار من أعلى أنواع الذكر ، ( والستر ) منه تعالى ( للعيوب ) مني ومن جميع المسلمين .

      ( ثم ) عطف على الحمد والاستغفار ( الصلاة والسلام ) تقدم معناهما ( تغشى الرسول المصطفى محمدا ) تغمره من ربه عز وجل ( ثم ) تغشى ( جميع صحبه والآل ) تقدم تعريفهما ( السادة ) جمع سيد ، وهو النقيب المقدم ( الأئمة ) المقتدى بهم في الدين ( الأبدال ) أو الأولياء لله تعالى ، ( تدوم ) متواصلة متواترة ( سرمدا ) تأكيدا للدوام يفسره ( بلا نفاد ) فناء وانقطاع ( ما جرت الأقلام ) أي عدد ما جرت به .

      ( ثم الدعا ) لجامع هذا العقد متنا وشرحا ( وصية ) منه يلتمسه من ( القراء ) أن يدعو له بخيري الدنيا والآخرة ( جميعهم ) شاهدهم وغائبهم معاصريه ومن يأتي بعد عصره ( من غير ما ) صلة أي من غير ( استثناء ) إخراج أحد منهم [ ص: 1246 ] من هذه الوصية .

      ( أبياتها ) أي عدتها رمز حروف ( يسر ) وذلك مائتان وسبعون ( بعد الجمل ) الحروف الأبجدية المعروفة عند عامة العرب ، وبما زدت فيها أقول ( أبياتها المقصود ) أي الذي فيه الأحكام والمسائل ( يسر فاعقل ) عني .

      ( تأريخها ) الذي ألفت فيه رمزه حروف ( الغفران ) وذلك ألف وثلاثمائة واثنان وستون ، أي عامئذ ، نسأل الله الغفران ( فافهم ) ما في ذا المعتقد ( وادع لي ) بصالح الدعوات في أوقات الإجابة كما أوصيتك ، فإن ذلك من أعظم الصدقات ، ( إن الله يجزي المتصدقين ( يوسف : 88 ) .

      اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، يا بديع السماوات والأرض ، برحمتك نستغيث ، اللهم رحمتك نرجو ، فلا تكلنا إلى أنفسنا ، ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين ، وأصلح لنا شأننا كله ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا ، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا ، فاغفر لنا ، وارحمنا إنك الغفور الرحيم ، اللهم ما كان في هذا السفر من حق وصواب فبتعليمك وإلهامك ، وفضلك وإنعامك ، أنت أهله وموليه ، فلك الحمد كما أنت أهله ، فانفعنا اللهم بتفهمه ، وارزقنا العمل بما علمنا ، وجميع المسلمين ، وما كان فيه من خطأ وزلل ، فمن نفسي وشيطاني ، فألهمني اللهم رشدي ، وأعذني من شر نفسي ، وقيض لي من يصلحه ويسد خلله ، وأعذني أن أضل عن سواء صراطك المستقيم ، أو يضل بخطئي أحد من عبادك واغفر لي ، ولوالدي ولجميع المسلمين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم على سيدنا ونبينا عبدك ورسولك سيد الأولين والآخرين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، وقائد الغر المحجلين ، ورضي الله عن آله وأصحابه وأهل بيته أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بفضله ورحمته ووالدينا وإخواننا وجميع المسلمين آمين .

      وكان الفراغ من تسويده نهار الاثنين ، بعد صلاة العصر السادس عشر من جمادى الأولى سنة 1366 للهجرة المحمدية ، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية