الفصل الرابع : حكم من فعل ذلك دون قصد
قال القاضي : تقدم الكلام في قتل القاصد لسبه ، والإزراء به وغمصه بأي وجه كان من ممكن أو محال ، فهذا وجه بين لا إشكال فيه .
الوجه الثاني : لاحق به في البيان والجلاء ، وهو أن يكون ، ولا معتقد له ، ولكنه تكلم في جهته - صلى الله عليه وسلم - بكلمة الكفر ، من لعنه أو سبه أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه ، أو نفي ما يجب له مما هو في حقه - صلى الله عليه وسلم - نقيصة ، مثل أن ينسب إليه إتيان كبيرة ، أو مداهنة في تبليغ الرسالة ، أو في حكم بين الناس ، أو يغض من مرتبته ، أو شرف نسبه ، أو وفور علمه أو زهده ، أو يكذب بما اشتهر من أمور أخبر بها - صلى الله عليه وسلم - ، وتواتر الخبر بها عنه عن قصد لرد خبره ، أو يأتي بسفه من القول ، وقبيح من الكلام ، ونوع من السب في جهته ، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمه ، ولم يقصد سبه ، إما لجهالة حملته على ما قاله ، أو لضجر أو سكر اضطره إليه ، أو قلة مراقبة وضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه ، فحكم هذا الوجه حكم الوجه الأول القتل دون تلعثم ، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة ، ولا بدعوى زلل اللسان ولا بشيء [ ص: 552 ] مما ذكرناه ، إذ كان عقله في فطرته سليما ، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان . القائل لما قال في جهته - صلى الله عليه وسلم - غير قاصد للسب والإزراء
وبهذا أفتى الأندلسيون على ابن حاتم في نفيه الزهد عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - الذي قدمناه .
وقال في المأسور يسب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيدي العدو : يقتل إلا أن يعلم تبصره أو إكراهه . محمد بن سحنون
وعن لا يعذر بدعوى زلل اللسان في مثل هذا . أبي محمد بن أبي زيد :
وأفتى فيمن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في سكره : يقتل ، لأنه يظن به أنه يعتقد هذا ويفعل في صحوه . أبو الحسن القابسي
وأيضا فإنه حد لا يسقطه السكر ، كالقذف ، والقتل ، وسائر الحدود ، لأنه أدخله على نفسه ، لأن من شرب الخمر على علم من زوال عقله بها ، وإتيان ما ينكر منه ، فهو كالعامد لما يكون بسببه .
وعلى هذا ألزمناه الطلاق والعتاق والقصاص والحدود .
ولا يعترض على هذا بحديث حمزة وقوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - : وهل أنتم إلا عبيد لأبي ! .
قال : فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ثمل فانصرف ، لأن الخمر كانت حينئذ غير محرمة ، فلم يكن في جناياتها إثم ، وكان حكم ما يحدث عنها معفوا عنه كما يحدث من النوم ، وشرب الدواء المأمون .