ومن مكاشفات الوالد أني قلت له يوما وهو ضعيف منقطع يا والدي سيدي أحمد بن سيدي الشيخ أبي عبد الله بن الحاج ضعيف على الموت فقال سيدي لا يصيبه المرة شيء ولكن سيدي أحمد محمدا أخوه قد مات فذهبت فوجدتهم كما ذكر رجعوا من دفنه ولم يكن قد جاء أحد أعلمه بذلك وذكر حكاية أخرى من مكاشفاته فراجعه إن شئت رضي الله عنه وعن والده وعن أشياخه آمين توفي المصنف سنة سبع وستين وسبعمائة وإنما ذكر نفسه في مبدإ كتابه ليكون كتابه أدعى للقبول إذ التأليف المجهول مؤلفه لا يلتفت إليه غالبا ( الحمد لله ) هو وما بعده مقول القول والحمد لغة [ ص: 10 ] الثناء باللسان على جميل اختياري على جهة التعظيم كان نعمة أو لا واصطلاحا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما ولو على غير الحامد ( حمدا ) منصوب بفعل مقدر أي أحمده حمدا لا بالحمد المذكور لفصله عنه بالخبر وهو أجنبي من الحمد أي غير معمول له [ ص: 11 ] كذا قيل والمراد أنه أجنبي من جهة المصدرية لا من جهة كونه مبتدأ يعني أن عمل الحمد في حمدا من جهة أنه مصدر بحسب الأصل ، وعمله في لله من جهة أنه مبتدأ فيكون الخبر أجنبيا من الحمد من جهة المصدرية التي يعمل بها في حمدا ، والفصل بالأجنبي ولو باعتبار يمنع عمل المصدر ( يوافي ) أي يقابل ( ما تزايد ) أي زاد ( من النعم ) جمع نعمة بكسر النون بمعنى إنعام أو منعم به بيان لما ( والشكر ) [ ص: 12 ] هو لغة الحمد عرفا ، واصطلاحا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من عقل وغيره إلى ما خلق لأجله ( له ) تعالى ( على ما أولانا ) أي أعطانا إياه ( من الفضل والكرم ) بيان ( لما ) وهما بمعنى واحد والمراد بهما النعم الواصلة له أو لغيره من إخوانه العلماء أو المسلمين عامة إذ الكرم كما يطلق على إعطاء ما ينبغي لا لغرض ولا لعوض يطلق أيضا على الشيء المعطى مجازا ولما كان قوله حمدا يوافي إلخ يوهم أنه أحصى الثناء عليه تعالى تفصيلا دفعه بقوله ( لا أحصي ) أي لا أعد ( ثناء ) هو الوصف بالجميل ( عليه . هو ) تعالى أي لا قدرة لي على عد ذلك تفصيلا لأن نعمه تعالى لا تحصى [ ص: 13 ] فكيف يحصى الثناء عليها تفصيلا ( كما أثنى على نفسه ) أي كثنائه على نفسه فإنه في قدرته تعالى تفصيلا وهذا مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام { } ( ونسأله اللطف ) من لطف كنصر معناه الرفق لا من لطف ككرم فإن معناه الدقة ( والإعانة ) أي الإقدار على فعل الطاعات وترك المنهيات والتخلص من المهمات والملمات ( في جميع الأحوال ) تنازعه كل من اللطف والإعانة ( و ) في ( حال حلول ) يعني مكث ( الإنسان ) يعني نفسه ويحتمل وغيره من المؤمنين وهو أولى فاللام للجنس على هذا ( في رمسه ) أي قبره [ ص: 14 ] وإنما خص هذه الحالة مع دخولها فيما قبلها لشدة احتياجه للطف والإعانة فيها أكثر من غيرها . لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
ولما كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الواسطة في كل نعمة وصلت إلينا من الله تعالى ولا سيما علم الشرائع وجب أن يصلي عليه بعد أن أثنى على مولى النعم فقال ( والصلاة ) هي من الله تعالى النعمة المقرونة بالتعظيم والتبجيل فهي أخص من مطلق الرحمة ولذا لا تطلب لغير المعصوم إلا تبعا ، ومن غيره تعالى التضرع والدعاء باستغفار أو غيره ( والسلام ) أي التحية [ ص: 15 ] أو الأمان ( على محمد ) علم منقول من اسم مفعول المضعف أي المكرر العين سمي به نبينا عليه الصلاة والسلام رجاء أن يكون على أكمل الخصال فيحمده أهل السماء والأرض وقد حقق الله ذلك الرجاء ( سيد ) يطلق على الشريف الكامل وعلى التقي الفاضل وعلى ذي الرأي الشامل وعلى الحليم الكريم وعلى الفقيه العالم ولا شك أنه عليه السلام اشتمل على ذلك كله ( العرب ) بفتحتين أو ضم فسكون من يتكلم باللغة العربية سجية ( والعجم ) [ ص: 16 ] فيه من الضبط ما في العرب من يتكلم بغير العربية ( المبعوث ) أي المرسل من الله تعالى ( لسائر ) أي لجميع لأن سائر قد يأتي له وإن كان أصل معناه باقي ( الأمم ) جمع أمة أي طائفة والمراد بهم المكلفون من الإنس والجن على كثرة أصنافهم وغيرهم كالملائكة ( وعلى آله ) الظاهر أن المراد بهم أقاربه المؤمنون وإن كان قد يطلق على الأتباع لأنه يستغنى عنه بقوله أمته ( وأصحابه ) جمع لصاحب على الصحيح لأن فاعلا يجمع على أفعال عند على التحرير سيبويه والأخفش بمعنى الصحابي وهو من اجتمع بالنبي عليه السلام في حياته مؤمنا ومات على ذلك والصاحب [ ص: 17 ] لغة من بينك وبينه مطلق مواصلة ( و ) على ( أزواجه ) أي نسائه الطاهرات ، والمراد ما يشمل سراريه ( وذريته ) نسله الصادق بالذكر والأنثى إلى يوم القيامة ( وأمته ) أي جماعته من كل من آمن به من يوم بعث إلى يوم القيامة ( أفضل الأمم ) أي أكثرها فضلا أي ثوابا لمزيد فضل نبيها على جميع الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ( وبعد ) هي ظرف زمان هنا مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى ولذا بنيت على الضم ، والواو نائبة عن أما أي مهما يكن من شيء بعد ما تقدم ( فقد ) أي فأقول قد ( سألني جماعة أبان ) أي أظهر ( الله لي ولهم معالم ) جمع معلم [ ص: 18 ] وهو لغة الأثر الذي يستدل به على الطريق وأراد بها أدلة ( التحقيق ) مصدر حقق الشيء أثبته بالدليل أو أتى به على الوجه الحق ولو لم يذكر الدليل والمراد به هنا ما كان حقا أي مطابقا للواقع ففي معالم استعارة تصريحية ويصح أن يراد بالمعلم الأثر نفسه ففي التحقيق استعارة بالكناية بأن شبه التحقيق بطريق سلوك تشبيها مضمرا في النفس على طريق المكنية وفي معالم استعارة تخييلية ( وسلك ) أي ذهب ( بنا وبهم أنفع طريق ) أي طريقا أنفع تأليفا ( مختصرا ) مفعول ثان لسأل وجملة أبان وما بعدها اعتراض قصد بها الدعاء له ولهم والاختصار تقليل اللفظ مع كثرة المعنى ( على مذهب الإمام ) [ ص: 19 ] أي فيما ذهب إليه من الأحكام الاجتهادية إمام الأئمة ( مالك بن أنس ) ابن مالك الأصبحي ( رحمه الله تعالى مبينا ) بكسر الياء المشددة اسم فاعل نعت ثان لمختصر [ ص: 20 ] مطلب في أن الإمام من تابع التابعين ( مبحث ) تفسير الراجح والمشهور وحكم الفتوى بكل وغير ذلك ( مبحث ) من أتلف بفتواه شيئا وأخذ الأجرة على الفتيا وغير ذلك ( لما ) أي للقول الذي تجب ( به الفتوى ) لكونه المشهور أو المرجح ( فأجبت ) عطف على سألني ( سؤالهم ) لم يقل أجبتهم إشارة إلى أنه لم يضيع من سؤالهم شيئا بل أتى به متصفا بالأوصاف الثلاثة الاختصار وكونه على المذهب المذكور والتبيين لما به الفتوى ( بعد الاستخارة ) متعلق بأجبت أي بعد طلب الخيرة بفتح الخاء وكسرها مع فتح الياء فيهما وطلبها بصلاتها ودعائها الواردين في الصحيحين وهي من الكنوز التي أظهرها الله تعالى على يد رسوله عليه الصلاة والسلام فلا ينبغي لعاقل هم بأمر تركها [ ص: 21 ] ثم ذكر اصطلاحه في كتابه ليقف الناظر عليه وقصده بذلك الاختصار فقال ( مشيرا ) حال من فاعل أجبت مقدرة أي أجبتهم حال كوني مقدرا الإشارة ( بفيها ) أي بهذا اللفظ أي ونحوه من كل ضمير مؤنث غائب عائد على غير مذكور أو إنه عبر بفيها عن كل ما ذكر مجازا فشمل نحو حملت وقيدت ونحو وظاهرها وأقيم منها ( للمدونة التي ) هي الأم وهي تدوين سحنون للأحكام التي أخذها ابن القاسم عن الإمام أو ربما ذكر فيها ما رواه غيره وما قاله من اجتهاده ( و ) مشيرا ( بأول ) أي بمادة بأول ( إلى اختلاف شارحيها ) أي شارحي ذلك الموضع منها وإن لم يتصدوا لشرح سائرها ( في فهمها ) أي فهم المراد من ذلك الموضع المؤدي إلى فهم كل له إلى خلاف فهم الآخر ويختلف المعنى به ويصير قولا غير الآخر ، ويجوز الإفتاء بكل إن لم يرجح الأشياخ بعضها وهو واضح لا خفاء به وليس بلازم أن كل من ذهب إلى تأويل يكون موافقا [ ص: 22 ] لقول كان موجودا من قبل بل يجوز والأغلب عدم الموافقة ( و ) مشيرا ( بالاختيار ) أي بمادته الشاملة للاسم والفعل ( ل ) اختيار الإمام ( أبي الحسن علي اللخمي ) صاحب التبصرة ( لكن إن كان ) مادة الاختيار التي أشرت بها ملتبسة ( بصيغة الفعل ) كاختاره ( فذلك ) الاختيار إشارة ( لاختياره هو في نفسه ) أي من قبل نفسه لا من أقوال أهل المذهب ( و ) إن كان ( بالاسم ) كالمختار ( فذلك لاختياره ) لذلك القول ( من الخلاف ) بين أهل المذهب وسواء وقع منه بلفظ الاختيار أو التصحيح أو الترجيح أو التحسين أو غيرها ( و ) مشيرا بالترجيح ( ل ) ترجيح الإمام أبي بكر محمد بن عبد الله ( ابن يونس ) وسواء وقع منه بلفظ الترجيح أو غيره حال كون الترجيح الذي أشرت به ( كذلك ) أي مشابها للاختيار المشار به للخمي في كونه إن كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره هو في نفسه وإن كان بالاسم فذلك لاختياره من الخلاف ( وبالظهور ل ) لإمام ( محمد بن أحمد كذلك وبالقول ل ) لإمام ابن رشد أبي عبد الله محمد بن ( علي بن عمر المازري ) نسبة لمازرة بفتح الزاي وكسرها مدينة في جزيرة صقلية وهو تلميذ اللخمي ( كذلك ) أي في التفصيل المتقدم والمراد متى ذكرت ذلك فهو إشارة إلى ترجيحهم لا أن المراد أنه متى رجح بعضهم شيئا أشرت له بما مر ( وحيث ) أي وكل مكان من هذا المختصر أو وكل وقت ( قلت ) فيه ( خلاف ) [ ص: 23 ] أي هذا اللفظ ( فذلك ) أي قولي خلاف إشارة ( للاختلاف ) بين أئمة أهل المذهب ( في التشهير ) للأقوال إن تساوى المشهرون في الرتبة عنده وسواء وقع منهم بلفظ التشهير أو بما يدل عليه كالمذهب كذا أو الظاهر كذا أو الراجح أو المعروف أو المعتمد كذا فالمراد بالتشهير الترجيح ، فإن لم يتساو المرجحون اقتصر على ما رجحه الأقوى عرف ذلك من تتبع كلامه ( وحيث ذكرت قولين أو أقوالا ) بلا ترجيح ( فذلك ) إشارة ( لعدم اطلاعي في الفرع ) أي الحكم الفقهي الذي وقع فيه الاختلاف ( على أرجحية ) أي راجحية ( منصوصة ) لأهل المذهب أي لم أجد ترجيحا أصلا فأفعل التفضيل في المصنف ليس على بابه فتأمل أما لو وجد راجحية أو أرجحية لأحد الأقوال لاقتصر على الراجح أو الأرجح ولو وجد راجحية للكل لعبر بخلاف كما مر فالصور أربع ( وأعتبر ) [ ص: 24 ] لزوما ( من المفاهيم ) جمع مفهوم وهو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق ( مفهوم الشرط فقط ) أي أنه ينزله منزلة المنطوق وهو ما دل عليه اللفظ في محل النطق حتى لا يحتاج إلى التصريح به إلا لنكتة كما ستراه إن شاء الله ، وأما غيره من المفاهيم فلا يعتبر لزوما بل تارة وتارة ، وإنما اعتبره لزوما لتبادر الفهم إليه لقربه من المنطوق وكثرته في كلامه إذ لو لم يعتبره لفاته الاختصار والحاصل أن المفهوم قسمان مفهوم موافقة وهو ما وافق المنطوق في حكمه كضرب الوالدين المفهوم من قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } وكإحراق مال اليتيم المفهوم من قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما }
فإن كلا من الضرب والإحراق موافق للتأفيف والأكل في الحرمة بالنظر للمعنى ، والأول مفهوم بالأولى والثاني بالمساواة ومفهوم مخالفة وهو ما خالف المنطوق في حكمه وهو عشرة أنواع [ ص: 25 ] مفهوم الحصر بالنفي والإثبات أو بإنما وقيل : إنه من المنطوق ومفهوم الغاية نحو { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ومفهوم الاستثناء نحو قام القوم إلا زيدا ومفهوم الشرط نحو من قام فأكرمه ومفهوم الصفة نحو أكرم العالم ومفهوم العلة نحو أكرم زيدا لعلمه ومفهوم الزمان نحو سافر يوم الخميس ومفهوم المكان نحو جلست أمامه ومفهوم العدد نحو { فاجلدوهم ثمانين جلدة } ومفهوم اللقب أي الاسم الجامد نحو في الغنم زكاة وكلها حجة إلا اللقب ( وأشير بصحح أو استحسن إلى أن شيخا ) من مشايخ المذهب ( غير ) الأربعة ( الذين قدمتهم صحح هذا ) الفرع يجوز أن يكون مراده صححه من الخلاف وقوله ( أو استظهره ) من عند نفسه وهو الأقرب ( و ) أشير ( بالتردد ) لأحد أمرين إما ( لتردد ) جنس ( المتأخرين ) ابن أبي زيد ومن بعده ( في النقل ) عن المتقدمين [ ص: 26 ] مطلب أول طبقات المتأخرين كأن ينقلوا عن الإمام أو عن ابن القاسم في مكان حكما ثم ينقلوا عنه في مكان آخر خلافه أو ينقل بعضهم عنه حكما وينقل عنه آخر خلافه وسبب ذلك إما اختلاف قول الإمام بأن يكون له قولان وإما الاختلاف في فهم كلامه فينسب له كل ما فهمه منه وكأن ينقل بعضهم عن المتقدمين أنهم على قول واحد في حكم وينقل غيره أنهم على قولين فيه وغيرهما أنهم على أقوال ( أو ) ترددهم في الحكم نفسه ( لعدم نص المتقدمين ) عليه فليس قوله لعدم عطفا على التردد بل المعطوف محذوف والمعطوف عليه قوله في النقل
( و ) أشير غالبا ( بلو ) المقترنة بالواو ولم يذكر بعدها الجواب اكتفاء بما تقدمها نحو الحكم كذا ولو كان كذا ( إلى ) رد ( خلاف مذهبي ) بياء النسبة منونا نعت لخلاف أي خلاف منسوب للمذهب الذي ألفت فيه هذا المختصر أي لخلاف واقع فيه بدليل الاستقراء [ ص: 27 ] ومن غير الغالب قد يكون لمجرد المبالغة ( والله أسأل ) أي لا غيره ( أن ينفع به ) أي بهذا المختصر ( من كتبه ) لنفسه أو لغيره ولو بأجرة ( أو قرأه ) بحفظ أو مطالعة تفهما أو تعليما أو تعلما ( أو حصله ) بملك بشراء أو غيره أو باستعارة أو إجارة ( أو سعى في شيء منه ) أي من المختصر والشيء صادق ببعض كل واحد مما ذكر وببعض واحد منها فقط وبغير ذلك كإعانة الكاتب بمداد أو ورق أو إعانة القارئ بنفقة والمحصل بشيء من الثمن أو الأجرة ، وقرائن الأحوال دالة على أن الله تعالى قد تقبل منه هذا السؤال
( والله يعصمنا ) أي يحفظنا ويمنعنا ( من ) الوقوع في ( الزلل ) كالزلق لفظا ومعنى يريد به لازمه وهو النقص لأن من زلقت رجله في طين أو زلق لسانه في منطق فقد نقص وهذه جملة طلبية معنى كقوله ( ويوفقنا ) لما يحبه ويرضاه ( في القول والعمل ) أي أقوالنا وأعمالنا بأن يخلق فينا قدرة الطاعة في كل حال ومنه تأليف هذا الكتاب فنسأل الله أن يعصمنا من وقوع الخلل فيه ويوفقنا فيه لما يرضيه ( ثم ) بعد أن أعلمتك بأني أجبت سؤالهم وباصطلاحي في هذا المختصر [ ص: 28 ] ( أعتذر ) أي أظهر عذري ( لذوي ) أي أصحاب ( الألباب ) جمع لب بمعنى العقل أي العقول الكاملة لأنهم هم الذين يقبلون العذر ولا يلامون لكمال إيمانهم ( من ) أجل ( التقصير ) أي الخلل ( الواقع ) مني ( في هذا الكتاب ) والعقل على الصحيح نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية وابتداء وجوده نفخ الروح في الجنين ثم لم يزل ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ خلقه الله في القلب وجعل نوره متصلا بالدماغ ، والجمهور على أن كماله عند الأربعين ( وأسأل ) حذف المفعول اختصارا أي أسألهم لأنهم هم الذين يسألون ( بلسان التضرع ) أي ذي التضرع أو أنه جعل نفسه تضرعا مبالغة أو المراد المتضرع الخاشع على حد زيد عدل أو المراد بلسان تضرعي أي تذللي فيكون على هذا في الكلام استعارة بالكناية ( والخشوع ) أي الخضوع والذل ( وخطاب التذلل ) أي التضرع ( والخضوع ) أي الخشوع فالألفاظ الأربعة بمعنى واحد وأسند اللسان للتضرع والخطاب للتذلل [ ص: 29 ] تفننا والخطاب هو الكلام الذي يقصد به إفهام المخاطب وقيل : الصالح للإفهام ( أن ينظر ) بالبناء للمفعول أي اسألهم أن يتأمل هذا الكتاب ( بعين ) ذي ( الرضا ) أي القبول والمحبة ( والصواب ) أي الإنصاف لا بعين السخط والاعتساف أو أن إضافة عين لما بعده لأدنى ملابسة كما قيل
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
.( فما كان ) ما شرطية مبتدأ وكان تامة فعل الشرط وفاعلها يعود على ما و ( من نقص ) بيان لما أي فما وجد فيه من نقص لفظ يخل بالمعنى المراد ( كملوه ) فعل ماض جواب الشرط أي كملوا ذلك النقص أي اللفظ الناقص أو المنقوص فليس المراد بالنقص المعنى المصدري أي الترك إذ لا معنى لتكميل الترك إذ لا يكمل إلا الموجود ناقصا ( و ) ما كان ( من خطإ ) في المعاني والأحكام وفي إعراب الألفاظ ( أصلحوه ) بفتح اللام فعل ماض أي أصلحوا ذلك الخطأ بالتنبيه عليه في الشروح أو الحاشية أو التقرير بأن يقال قد وقع منه هذا سهوا أو قد سبقه القلم وصوابه كذا أو هو على حذف مضاف مثلا أو فيه تقديم وتأخير من غير تغيير وتبديل في أصل الكتاب ، فإنه لا يجوز ولا إذن فيه لأحد كما هو ظاهر والحذر من قلة الأدب كأن يقال : هذا خبط أو كذب أو كلام فاسد لا معنى له فإن قلة الأدب مع أئمة الدين لا تفيد إلا الوبال على صاحبها دنيا وأخرى وانظر هذا الإمام الكبير كيف اعتذر وتذلل [ ص: 30 ] على علو مقامه وعظم شأنه أفيجازى مثله بقلة الأدب بمجرد هفوة لا يخلو منها أحد كما علل وجه اعتذاره وسؤاله التأمل بعين الرضا بقوله رضي الله عنه وعنا به ( فقلما يخلص ) أي ينجو ( مصنف ) أي مؤلف ( من الهفوات ) جمع هفوة ومراده بها الخطأ ( أو ينجو مؤلف من العثرات ) جمع عثرة بالمثلثة ومراده بها السقوط في تحريف الألفاظ ويحتمل العكس ويحتمل أن معناهما واحد وهو الزلة وذلك لأن الإنسان محل النسيان والقلب يتقلب في كل آن فربما تعلق القلب بحكم أوامر من الأمور فيكتب الإنسان خلاف مقصوده أو أنه ينسى شرطا أو حكما أو يسهو عنه فيظن أن الصواب ما كتبه والواقع خلافه
أو يريد أن يكتب لفظ وجوب فيسبقه القلم فيكتب لفظ سنة أو يريد اختصار عبارة فيسقط منه ما يخل بالمعنى المراد وقد يكون الخطأ من غيره وينسب له كأن يخرج على الحاشية كلمة أو كلاما فيثبتها الناسخ في غير موضعها فيقال : إن المصنف قد أخطأ مع أن الذي أخطأ غيره أو غير ذلك وبالجملة فجزى الله المؤلفين عن المسلمين أحسن الجزاء وقلنا معناها النفي أي لأنه لا يخلو مؤلف فما كافة لقل عن طلب الفاعل وحينئذ فتكتب متصلة بقل والله أعلم
[ ص: 16 ]