وعزمنا على ذكر ، راغبين عن الاغترار بالزائل الفاني ، سابقين إلى السامي النامي ، واعلموا أن الذين تقدم ذكرهم من الصحابة والتابعين فإن مثلهم في الناس كمثل المعادن والجواهر الذين لا يعرف مقامهم ومراتبهم إلا المستنبطون والغواص ، والأكابر من السادة والخواص ؛ لأنهم كانوا أعمدة الدين والأساس . طوائف من جماهير النساك والعباد ، المذكورين بالكد في الاجتهاد ، والجد في التشمر والاستعداد
وهذه الطبقة التي قد عزمنا على الشروع في ذكرهم فهم قوم أيدوا بطرف من المعارف ، وكوشفوا ببعض طرف الملاطف ، فقطعوا به المفاوز والمخاوف ، وطيبوا ببعض نوافج الأطايب والعواطف ، فسبيلهم في الناس ، كالرياحين والآس ، إذا أراد الله - تعالى - إنعاش بعض المجتذبين ، واختطاف بعض المجتلبين هطل على هذه الطبقة طشا من سحائب لطفه ، وأهب عليهم نسمة من رياح عطفه ، فيثير منهم نسيما مما خصهم به من كراماته ، فأيدهم به من آياته ، يهيج بهم الوافدين ، وينبه بهم الواسنين ، لتكون طرق الحق في كل الأعصار [ ص: 149 ] مسلوكة ، ولئلا توجد الأدلة والحجج متروكة ، وهم أولياء الله وأصفياؤه ، الذين يذكر الله برؤيتهم ، ويسعد متبوعهم بصحبتهم ومحبتهم ، فذكرنا لكل واحد من أعلامهم شاهد أحواله ، وظاهر أقواله . وهم أخلاط من العباد ، وعدلنا عن ترتيب أيامهم والبلاد ، فمن اشتهر بالرواية ذكرنا له حديثا فما فوقه ، ومن لم تعرف له رواية اقتصرنا من كلامه على حكاية . والله خير معين ، وبه نستعين .