الحكم الثاني :
من الأحكام الشرعية المذكورة في هذا الموضع من هذه السورة حكم الربا :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=23466_5363بين الربا وبين الصدقة مناسبة من جهة التضاد ، وذلك لأن الصدقة عبارة عن تنقيص المال
[ ص: 75 ] بسبب أمر الله بذلك ، والربا عبارة عن طلب الزيادة على المال مع نهي الله عنه ، فكانا متضادين ، ولهذا قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) فلما حصل بين هذين الحكمين هذا النوع من المناسبة ، لا جرم ذكر عقيب حكم الصدقات حكم الربا .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الذين يأكلون الربا ) فالمراد الذين يعاملون به ، وخص الأكل لأنه معظم الأمر ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) [النساء : 10] وكما لا يجوز أكل مال اليتيم لا يجوز إتلافه ، ولكنه نبه بالأكل على ما سواه وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) [البقرة : 188] وأيضا فلأن نفس الربا الذي هو الزيادة في المال على ما كانوا يفعلون في الجاهلية لا يؤكل ، إنما يصرف في المأكول فيؤكل ، والمراد التصرف فيه ، فمنع الله من التصرف في الربا بما ذكرنا من الوعيد ، وأيضا فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012028nindex.php?page=treesubj&link=33579لعن آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والمحلل له " فعلمنا أن الحرمة غير مختصة بالآكل ، وأيضا فقد ثبت بشهادة الطرد والعكس ، أن ما يحرم لا يوقف تحريمه على الأكل دون غيره من التصرفات فثبت بهذه الوجوه الأربعة أن المراد من أكل الربا في هذه الآية التصرف في الربا ، وأما الربا ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=5364الربا في اللغة عبارة عن الزيادة يقال : ربا الشيء يربو ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5اهتزت وربت ) [الحج : 5] أي زادت ، وأربى الرجل إذا عامل في الربا ، ومنه الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012029من أجبى فقد أربى " أي عامل بالربا ، والإجباء بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه ، هذا معنى الربا في اللغة .
المسألة الثانية : قرأ
حمزة والكسائي " الربا " بالإمالة لمكان كسرة الراء والباقون بالتفخيم بفتح الباء ، وهي في المصاحف مكتوبة بالواو ، وأنت مخير في كتابتها بالألف والواو والياء ، قال صاحب " الكشاف " : الربا كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع .
الْحُكْمُ الثَّانِي :
مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ حُكْمُ الرِّبَا :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23466_5363بَيْنَ الرِّبَا وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ التَّضَادِّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَنْقِيصِ الْمَالِ
[ ص: 75 ] بِسَبَبِ أَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ ، وَالرِّبَا عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَالِ مَعَ نَهْيِ اللَّهِ عَنْهُ ، فَكَانَا مُتَضَادَّيْنِ ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) فَلَمَّا حَصَلَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ ، لَا جَرَمَ ذَكَرَ عَقِيبَ حُكْمِ الصَّدَقَاتِ حُكْمَ الرِّبَا .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ) فَالْمُرَادُ الَّذِينَ يُعَامِلُونَ بِهِ ، وَخَصَّ الْأَكْلَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْأَمْرِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ) [النِّسَاءِ : 10] وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إِتْلَافُهُ ، وَلَكِنَّهُ نَبَّهَ بِالْأَكْلِ عَلَى مَا سِوَاهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) [الْبَقَرَةِ : 188] وَأَيْضًا فَلِأَنَّ نَفْسَ الرِّبَا الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَالِ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُؤْكَلُ ، إِنَّمَا يُصْرَفُ فِي الْمَأْكُولِ فَيُؤْكَلُ ، وَالْمُرَادُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فَمَنَعَ اللَّهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الرِّبَا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَعِيدِ ، وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012028nindex.php?page=treesubj&link=33579لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ وَالْمُحَلِّلَ لَهُ " فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحُرْمَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالْآكِلِ ، وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ ، أَنَّ مَا يَحْرُمُ لَا يُوقَفُ تَحْرِيمُهُ عَلَى الْأَكْلِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَكْلِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّصَرُّفُ فِي الرِّبَا ، وَأَمَّا الرِّبَا فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=5364الرِّبَا فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الزِّيَادَةِ يُقَالُ : رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=5اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) [الْحَجِّ : 5] أَيْ زَادَتْ ، وَأَرْبَى الرَّجُلُ إِذَا عَامَلَ فِي الرِّبَا ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012029مَنْ أَجَبَى فَقَدْ أَرْبَى " أَيْ عَامَلَ بِالرِّبَا ، وَالْإِجْبَاءُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ، هَذَا مَعْنَى الرِّبَا فِي اللُّغَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " الرِّبَا " بِالْإِمَالَةِ لِمَكَانِ كَسْرَةِ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ بِفَتْحِ الْبَاءِ ، وَهِيَ فِي الْمَصَاحِفِ مَكْتُوبَةٌ بِالْوَاوِ ، وَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي كِتَابَتِهَا بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ ، قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : الرِّبَا كُتِبَتْ بِالْوَاوِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُفَخِّمُ كَمَا كُتِبَتِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَزِيدَتِ الْأَلِفُ بَعْدَهَا تَشْبِيهًا بِوَاوِ الْجَمْعِ .