المسألة الرابعة : ذكروا في
nindex.php?page=treesubj&link=5367سبب تحريم الربا وجوها :
أحدها : الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض ، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقدا أو نسيئة فيحصل له زيادة درهم من غير عوض ، ومال الإنسان
[ ص: 77 ] متعلق حاجته وله حرمة عظيمة ، قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012031حرمة مال الإنسان كحرمة دمه " فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرما .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون لبقاء رأس المال في يده مدة مديدة عوضا عن الدرهم الزائد ؟ وذلك لأن رأس المال لو بقي في يده هذه المدة لكان يمكن المالك أن يتجر فيه ويستفيد بسبب تلك التجارة ربحا فلما تركه في يد المديون وانتفع به المديون لم يبعد أن يدفع إلى رب المال ذلك الدرهم الزائد عوضا عن انتفاعه بماله .
قلنا : إن هذا الانتفاع الذي ذكرتم أمر موهوم قد يحصل وقد لا يحصل ، وأخذ الدرهم الزائد أمر متيقن ، فتفويت المتيقن لأجل الأمر الموهوم لا ينفك عن نوع ضرر .
وثانيها : قال بعضهم : الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب ، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقدا كان أو نسيئة خف عليه اكتساب وجه المعيشة ، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة ، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق ، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات .
وثالثها : قيل : السبب في تحريم عقد الربا ، أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض ، لأن الربا إذا طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثله ، ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين ، فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان .
ورابعها : هو أن الغالب أن المقرض يكون غنيا ، والمستقرض يكون فقيرا ، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالا زائدا ، وذلك غير جائز برحمة الرحيم .
وخامسها : أن حرمة الربا قد ثبتت بالنص ، ولا يجب أن يكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق ، فوجب القطع بحرمة عقد الربا ، وإن كنا لا نعلم الوجه فيه .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275لا يقومون ) فأكثر المفسرين قالوا : المراد منه القيام يوم القيامة ، وقال بعضهم : المراد منه القيام من القبر ، واعلم أنه لا منافاة بين الوجهين ، فوجب حمل اللفظ عليهما .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : ذَكَرُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=5367سَبَبِ تَحْرِيمِ الرِّبَا وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : الرِّبَا يَقْتَضِي أَخْذَ مَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، لِأَنَّ مَنْ يَبِيعُ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً فَيَحْصُلُ لَهُ زِيَادَةُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، وَمَالُ الْإِنْسَانِ
[ ص: 77 ] مُتَعَلَّقُ حَاجَتِهِ وَلَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012031حُرْمَةُ مَالِ الْإِنْسَانِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ " فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ مُحَرَّمًا .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِبَقَاءِ رَأْسِ الْمَالِ فِي يَدِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً عِوَضًا عَنِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ ؟ وَذَلِكَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَكَانَ يُمْكِنُ الْمَالِكُ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَيَسْتَفِيدَ بِسَبَبِ تِلْكَ التِّجَارَةِ رِبْحًا فَلَمَّا تَرَكَهُ فِي يَدِ الْمَدْيُونِ وَانْتَفَعَ بِهِ الْمَدْيُونُ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى رَبِّ الْمَالِ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ عِوَضًا عَنِ انْتِفَاعِهِ بِمَالِهِ .
قُلْنَا : إِنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ أَمْرٌ مَوْهُومٌ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ ، وَأَخْذُ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ ، فَتَفْوِيتُ الْمُتَيَقَّنِ لِأَجْلِ الْأَمْرِ الْمَوْهُومِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ .
وَثَانِيهَا : قَالَ بَعْضُهُمْ : اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا حَرَّمَ الرِّبَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْمَكَاسِبِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَ الدِّرْهَمِ إِذَا تَمَكَّنَ بِوَاسِطَةِ عَقْدِ الرِّبَا مِنْ تَحْصِيلِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً خَفَّ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ وَجْهِ الْمَعِيشَةِ ، فَلَا يَكَادُ يَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَاتِ الشَّاقَّةِ ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَصَالِحَ الْعَالَمِ لَا تَنْتَظِمُ إِلَّا بِالتِّجَارَاتِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْعِمَارَاتِ .
وَثَالِثُهَا : قِيلَ : السَّبَبُ فِي تَحْرِيمِ عَقْدِ الرِّبَا ، أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْقَرْضِ ، لِأَنَّ الرِّبَا إِذَا طَابَتِ النُّفُوسُ بِقَرْضِ الدِّرْهَمِ وَاسْتِرْجَاعِ مِثْلِهِ ، وَلَوْ حَلَّ الرِّبَا لَكَانَتْ حَاجَةُ الْمُحْتَاجِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ ، فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى انْقِطَاعِ الْمُوَاسَاةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ .
وَرَابِعُهَا : هُوَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُقْرِضَ يَكُونُ غَنِيًّا ، وَالْمُسْتَقْرِضَ يَكُونُ فَقِيرًا ، فَالْقَوْلُ بِتَجْوِيزِ عَقْدِ الرِّبَا تَمْكِينٌ لِلْغَنِيِّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْفَقِيرِ الضَّعِيفِ مَالًا زَائِدًا ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بِرَحْمَةِ الرَّحِيمِ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا قَدْ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حِكَمُ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ مَعْلُومَةً لِلْخَلْقِ ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِحُرْمَةِ عَقْدِ الرِّبَا ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ الْوَجْهَ فِيهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275لَا يَقُومُونَ ) فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا : الْمُرَادُ مِنْهُ الْقِيَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُرَادُ مِنْهُ الْقِيَامُ مِنَ الْقَبْرِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ ، فَوَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا .