المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28647المراد بالإيمان بالله عبارة عن الإيمان بوجوده ، وبصفاته ، وبأفعاله ، وبأحكامه ، وبأسمائه .
أما الإيمان بوجوده ، فهو أن يعلم أن وراء المتحيزات موجودا خالقا لها ، وعلى هذا التقدير فالمجسم لا يكون مقرا بوجود الإله تعالى لأنه لا يثبت ما وراء المتحيزات شيئا آخر فيكون اختلافه معنا في إثبات ذات
[ ص: 114 ] الله تعالى ، أما الفلاسفة
والمعتزلة فإنهم مقرون بإثبات موجود سوى المتحيزات موجد لها ، فيكون الخلاف معهم لا في الذات بل في الصفات .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29443الإيمان بصفاته ، فالصفات إما سلبية ، وإما ثبوتية .
فأما السلبية : فهي أن يعلم أنه فرد منزه عن جميع جهات التركيب ، فإن كل مركب مفتقر إلى كل واحد من أجزائه ، وكل واحد من أجزائه غيره ، فهو مركب ، فهو مفتقر إلى غيره ممكن لذاته ، فإذن كل مركب فهو ممكن لذاته ، وكل ما ليس ممكنا لذاته ، بل كان واجبا لذاته امتنع أن يكون مركبا بوجه من الوجوه ، بل كان فردا مطلقا ، وإذا كان فردا في ذاته لزم أن لا يكون متحيزا ، ولا جسما ، ولا جوهرا ، ولا في مكان ، ولا حالا ، ولا في محل ، ولا متغيرا ، ولا محتاجا بوجه من الوجوه البتة .
وأما الصفات الثبوتية : فبأن يعلم أن الموجب لذاته نسبته إلى بعض الممكنات كنسبته إلى البواقي ، فلما رأينا أن هذه المخلوقات وقعت على وجه يمكن وقوعها على خلاف تلك الأحوال ، علمنا أن المؤثر فيها قادر مختار لا موجب بالذات ، ثم يستدل بما في أفعاله من الإحكام والإتقان على كمال علمه ، فحينئذ يعرفه قادرا عالما حيا سميعا بصيرا موصوفا منعوتا بالجلال وصفات الكمال ، وقد استقصينا ذلك في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [ البقرة : 255 ].
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28722الإيمان بأفعاله ، فبأن تعلم أن كل ما سواه فهو ممكن محدث ، وتعلم ببديهة عقلك أن الممكن المحدث لا يوجد بذاته ، بل لا بد له من موجد يوجده وهو القديم ، وهذا الدليل يحملك على أن تجزم بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29658كل ما سواه فإنما حصل بتخليقه وإيجاده وتكوينه إلا أنه وقع في البين عقدة وهي الحوادث التي هي الأفعال الاختيارية للحيوانات ، فالحكم الأول وهو أنها ممكنة محدثة فلا بد من إسنادها إلى واجب الوجود مطرد فيها .
فإن قلت : إني أجد من نفسي أني إن شئت أن أتحرك تحركت ، وإن شئت أن لا أتحرك لم أتحرك فكانت حركاتي وسكناتي بي لا بغيري .
فنقول : قد علقت حركتك بمشيئتك لحركتك ، وسكونك بمشيئتك لسكونك ، فقبل حصول مشيئة الحركة لا تتحرك وقبل حصول مشيئة السكون لا تسكن ، وعند حصول مشيئة الحركة لا بد وأن تتحرك .
إذا ثبت هذا فنقول : هذه المشيئة كيف حدثت فإن حدوثها إما أن يكون لا بمحدث أصلا أو يكون بمحدث ، ثم ذلك المحدث إما أن يكون هو العبد أو الله تعالى ، فإن حدثت لا بمحدث فقد لزم نفي الصانع ، وإن كان محدثها هو العبد افتقر في إحداثها إلى مشيئة أخرى ولزم التسلسل ، فثبت أن محدثها هو الله سبحانه وتعالى .
إذا ثبت هذا فنقول : لا اختيار للإنسان في حدوث تلك المشيئة ، وبعد حدوثها فلا اختيار له في ترتب الفعل عليها إلا بالمشيئة به ، ولا حصول للفعل بعد المشيئة ، فالإنسان مضطر في صورة مختار ، فهذا كلام قاهر قوي ، وفي معارضته إشكالان أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=28786كيف يليق بكمال حكمة الله تعالى إيجاد هذه القبائح والفواحش من الكفر والفسق ؟ والثاني : أنه لو كان الكل بتخليقه فكيف توجه الأمر والنهي ، والمدح والذم ،
[ ص: 115 ] والثواب والعقاب على العبد ؟ فهذا هو الحرف المعول عليه من جانب الخصم ، إلا أنه وارد عليه أيضا في العلم على ما قررناه في مواضع عدة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30489_30491_29785المرتبة الرابعة في الإيمان بالله : فهي معرفة أحكامه ، ويجب أن يعلم في أحكامه أمورا أربعة أحدها : أنها غير معللة بعلة أصلا ، لأن كل ما كان معللا بعلة كان صاحبه ناقصا بذاته ، كاملا بغيره ، وذلك على الحق سبحانه محال ، وثانيها : أن يعلم أن المقصود من شرعها منفعة عائدة إلى العبد لا إلى الحق ، فإنه منزه عن جلب المنافع ودفع المضار ، وثالثها : أن يعلم أن له الإلزام والحكم في الدنيا كيف شاء وأراد . ورابعها : أنه يعلم أنه لا يجب لأحد على الحق بسبب أعماله وأفعاله شيء ، وأنه سبحانه في الآخرة يغفر لمن يشاء بفضله ويعذب من يشاء بعدله ، وأنه لا يقبح منه شيء ، ولا يجب عليه شيء ، لأن الكل ملكه وملكه ، والمملوك المجازى لا حق له على المالك المجازي ، فكيف المملوك الحقيقي مع المالك الحقيقي .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29443الرتبة الخامسة في الإيمان بالله : فمعرفة أسمائه قال في الأعراف (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ولله الأسماء الحسنى ) [ الأعراف : 180 ] وقال في بني إسرائيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] وقال في طه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ) [ طه : 8 ] وقال في آخر الحشر (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض ) [ الحشر : 24 ]
nindex.php?page=treesubj&link=29443والأسماء الحسنى هي الأسماء الواردة في كتب الله المنزلة على ألسنة أنبيائه المعصومين ، وهذه الإشارة إلى معاقد الإيمان بالله .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28735الإيمان بالملائكة ، فهو من أربعة أوجه : أولها : الإيمان بوجودها ، والبحث عن أنها روحانية محضة ، أو جسمانية ، أو مركبة من القسمين ، وبتقدير
nindex.php?page=treesubj&link=28734كونها جسمانية فهي أجسام لطيفة أو كثيفة ، فإن كانت لطيفة فهي أجسام نورانية ، أو هوائية ، وإن كانت كذلك فكيف يمكن أن تكون مع لطافة أجسامها بالغة في القوة إلى الغاية القصوى ، فذاك مقام العلماء الراسخين في علوم الحكمة القرآنية والبرهانية .
والمرتبة الثانية في
nindex.php?page=treesubj&link=29737الإيمان بالملائكة : العلم بأنهم معصومون مطهرون (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) [ النحل : 50 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=19لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ) [ الأنبياء : 19 ] فإن لذتهم بذكر الله ، وأنسهم بعبادة الله ، وكما أن حياة كل واحد منا بنفسه الذي هو عبارة عن استنشاق الهواء ، فكذلك حياتهم بذكر الله تعالى ومعرفته وطاعته .
والمرتبة الثالثة : أنهم
nindex.php?page=treesubj&link=29747وسائط بين الله وبين البشر ، فكل قسم منهم متوكل على قسم من أقسام هذا العالم ، كما قال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=1والصافات صفا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=2فالزاجرات زجرا ) [ الصافات : 1 ، 2 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=1والذاريات ذروا nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=2فالحاملات وقرا ) [ الذاريات : 1 ، 2 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=1والمرسلات عرفا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=2فالعاصفات عصفا ) [ المرسلات : 1 ، 2 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=1والنازعات غرقا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=2والناشطات نشطا ) [ النازعات : 1 ، 2 ] ، ولقد ذكرنا في تفسير هذه الآيات أسرارا مخفية ، إذا طالعها الراسخون في العلم وقفوا عليها .
والمرتبة الرابعة : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29747_28739كتب الله المنزلة إنما وصلت إلى الأنبياء بواسطة الملائكة ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم أمين ) [ التكوير : 19 ، 20 ، 21 ] فهذه المراتب لا بد منها في حصول الإيمان بالملائكة ، فكلما كان غوص العقل في هذه المراتب أشد كان إيمانه بالملائكة أتم .
[ ص: 116 ] وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28739الإيمان بالكتب : فلا بد فيه من أمور أربعة أولها : أن يعلم أن هذه الكتب وحي من الله تعالى إلى رسوله ، وأنها ليست من باب الكهانة ، ولا من باب السحر ، ولا من باب إلقاء الشياطين والأرواح الخبيثة ، وثانيها : أن يعلم أن الوحي بهذه الكتب وإن كان من قبل الملائكة المطهرين ، فالله تعالى لم يمكن أحدا من الشياطين من إلقاء شيء من ضلالاتهم في أثناء هذا الوحي الطاهر ، وعند هذا يعلم أن من قال :
nindex.php?page=treesubj&link=28740إن الشيطان ألقى قوله : تلك الغرانيق العلا في أثناء الوحي ، فقد قال قولا عظيما ، وطرق الطعن والتهمة إلى القرآن .
والمرتبة الثالثة : أن هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28740القرآن لم يغير ولم يحرف ، ودخل فيه فساد قول من قال : إن ترتيب القرآن على هذا الوجه شيء فعله
عثمان رضي الله عنه ، فإن من قال ذلك أخرج القرآن عن كونه حجة .
والمرتبة الرابعة : أن يعلم أن القرآن مشتمل على المحكم والمتشابه ، وأن محكمه يكشف عن متشابهه .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30172الإيمان بالرسل : فلا بد فيه من أمور أربعة :
المرتبة الأولى : أن يعلم
nindex.php?page=treesubj&link=28751كونهم معصومين من الذنوب ، وقد أحكمنا هذه المسألة في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ) [ البقرة : 36 ] وجميع الآيات التي يتمسك بها المخالفون قد ذكرنا وجه تأويلاتها في هذا التفسير بعون الله سبحانه وتعالى .
والمرتبة الثانية : من مراتب الإيمان بهم : أن يعلم
nindex.php?page=treesubj&link=30173أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ، ومن الصوفية من ينازع في هذا الباب .
المرتبة الثالثة : قال بعضهم : إنهم أفضل من الملائكة ، وقال كثير من العلماء : إن الملائكة السماوية أفضل منهم ، وهم أفضل من الملائكة الأرضية ، وقد ذكرنا هذه المسألة في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) [ البقرة : 34 ] ولأرباب المكاشفات في هذه المسألة مباحثات غامضة .
المرتبة الرابعة : أن يعلم أن بعضهم أفضل من البعض ، وقد بينا ذلك في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) [ البقرة : 253 ] ومنهم من أنكر ذلك وتمسك بقوله تعالى له في هذه الآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285لا نفرق بين أحد من رسله ) .
وأجاب العلماء عنه بأن المقصود من هذا الكلام شيء آخر ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=28752الطريق إلى إثبات نبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا كانوا حاضرين هو ظهور المعجزة على وفق دعاويهم ، فإذا كان هذا هو الطريق ، وجب في حق كل من ظهرت المعجزة على وفق دعواه أن يكون صادقا ، وإن لم يصح هذا الطريق وجب أن لا يدل في حق أحد منهم على صحة رسالته ، فأما أن يدل على رسالة البعض دون البعض فقول فاسد متناقض ، والغرض منه تزييف طريقة
اليهود والنصارى الذين يقرون بنبوة
موسى وعيسى ، ويكذبون بنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو المقصود من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285لا نفرق بين أحد من رسله ) لا ما ذكرتم من أنه لا يجوز أن يكون بعضهم أفضل من البعض فهذا هو الإشارة إلى أصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِيمَانِ بِوُجُودِهِ ، وَبِصِفَاتِهِ ، وَبِأَفْعَالِهِ ، وَبِأَحْكَامِهِ ، وَبِأَسْمَائِهِ .
أَمَّا الْإِيمَانُ بِوُجُودِهِ ، فَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ وَرَاءَ الْمُتَحَيِّزَاتِ مَوْجُودًا خَالِقًا لَهَا ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْمُجَسِّمُ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُودِ الْإِلَهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ مَا وَرَاءَ الْمُتَحَيِّزَاتِ شَيْئًا آخَرَ فَيَكُونُ اخْتِلَافُهُ مَعَنَا فِي إِثْبَاتِ ذَاتِ
[ ص: 114 ] اللَّهِ تَعَالَى ، أَمَّا الْفَلَاسِفَةُ
وَالْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِإِثْبَاتِ مَوْجُودٍ سِوَى الْمُتَحَيِّزَاتِ مُوجِدٌ لَهَا ، فَيَكُونُ الْخِلَافُ مَعَهُمْ لَا فِي الذَّاتِ بَلْ فِي الصِّفَاتِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29443الْإِيمَانُ بِصِفَاتِهِ ، فَالصِّفَاتُ إِمَّا سَلْبِيَّةٌ ، وَإِمَّا ثُبُوتِيَّةٌ .
فَأَمَّا السَّلْبِيَّةُ : فَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ فَرْدٌ مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْكِيبِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ غَيْرُهُ ، فَهُوَ مُرَكَّبٌ ، فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ ، فَإِذَنْ كُلُّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ ، بَلْ كَانَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، بَلْ كَانَ فَرْدًا مُطْلَقًا ، وَإِذَا كَانَ فَرْدًا فِي ذَاتِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَحَيِّزًا ، وَلَا جِسْمًا ، وَلَا جَوْهَرًا ، وَلَا فِي مَكَانٍ ، وَلَا حَالًّا ، وَلَا فِي مَحَلٍّ ، وَلَا مُتَغَيِّرًا ، وَلَا مُحْتَاجًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْبَتَّةَ .
وَأَمَّا الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ : فَبِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِذَاتِهِ نِسْبَتُهُ إِلَى بَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ كَنِسْبَتِهِ إِلَى الْبَوَاقِي ، فَلَمَّا رَأَيْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَعَتْ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهَا عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ ، عَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهَا قَادِرٌ مُخْتَارٌ لَا مُوجِبٌ بِالذَّاتِ ، ثُمَّ يَسْتَدِلُّ بِمَا فِي أَفْعَالِهِ مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَعْرِفُهُ قَادِرًا عَالِمًا حَيًّا سَمِيعًا بَصِيرًا مَوْصُوفًا مَنْعُوتًا بِالْجَلَالِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) [ الْبَقَرَةِ : 255 ].
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28722الْإِيمَانُ بِأَفْعَالِهِ ، فَبِأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ مُمْكِنٌ مُحْدَثٌ ، وَتَعْلَمَ بِبَدِيهَةِ عَقْلِكَ أَنَّ الْمُمْكِنَ الْمُحْدِثَ لَا يُوجَدُ بِذَاتِهِ ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ يُوجِدُهُ وَهُوَ الْقَدِيمُ ، وَهَذَا الدَّلِيلُ يَحْمِلُكَ عَلَى أَنْ تَجْزِمَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28784_29658كُلَّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّمَا حَصَلَ بِتَخْلِيقِهِ وَإِيجَادِهِ وَتَكْوِينِهِ إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْبَيْنِ عُقْدَةٌ وَهِيَ الْحَوَادِثُ الَّتِي هِيَ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لِلْحَيَوَانَاتِ ، فَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ مُحْدَثَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إِسْنَادِهَا إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ مُطَّرِدٌ فِيهَا .
فَإِنْ قُلْتَ : إِنِّي أَجِدُ مِنْ نَفْسِي أَنِّي إِنْ شِئْتُ أَنْ أَتَحَرَّكَ تَحَرَّكْتُ ، وَإِنْ شِئْتُ أَنْ لَا أَتَحَرَّكَ لَمْ أَتَحَرَّكْ فَكَانَتْ حَرَكَاتِي وَسَكَنَاتِي بِي لَا بِغَيْرِي .
فَنَقُولُ : قَدْ عَلَّقْتَ حَرَكَتَكَ بِمَشِيئَتِكَ لِحَرَكَتِكَ ، وَسُكُونَكَ بِمَشِيئَتِكَ لِسُكُونِكَ ، فَقَبْلَ حُصُولِ مَشِيئَةِ الْحَرَكَةِ لَا تَتَحَرَّكُ وَقَبْلَ حُصُولِ مَشِيئَةِ السُّكُونِ لَا تَسْكُنُ ، وَعِنْدَ حُصُولِ مَشِيئَةِ الْحَرَكَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَتَحَرَّكَ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : هَذِهِ الْمَشِيئَةُ كَيْفَ حَدَثَتْ فَإِنَّ حُدُوثَهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا بِمُحْدِثٍ أَصْلًا أَوْ يَكُونَ بِمُحْدِثٍ ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُحْدِثُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعَبْدَ أَوِ اللَّهَ تَعَالَى ، فَإِنْ حَدَثَتْ لَا بِمُحْدِثٍ فَقَدْ لَزِمَ نَفْيُ الصَّانِعِ ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثُهَا هُوَ الْعَبْدَ افْتَقَرَ فِي إِحْدَاثِهَا إِلَى مَشِيئَةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ ، فَثَبَتَ أَنَّ مُحْدِثَهَا هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : لَا اخْتِيَارَ لِلْإِنْسَانِ فِي حُدُوثِ تِلْكَ الْمَشِيئَةِ ، وَبَعْدَ حُدُوثِهَا فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي تَرَتُّبِ الْفِعْلِ عَلَيْهَا إِلَّا بِالْمَشِيئَةِ بِهِ ، وَلَا حُصُولَ لِلْفِعْلِ بَعْدَ الْمَشِيئَةِ ، فَالْإِنْسَانُ مُضْطَرٌّ فِي صُورَةِ مُخْتَارٍ ، فَهَذَا كَلَامٌ قَاهِرٌ قَوِيٌّ ، وَفِي مُعَارَضَتِهِ إِشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28786كَيْفَ يَلِيقُ بِكَمَالِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيجَادُ هَذِهِ الْقَبَائِحِ وَالْفَوَاحِشِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ ؟ وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ بِتَخْلِيقِهِ فَكَيْفَ تَوَجَّهَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، وَالْمَدْحُ وَالذَّمُّ ،
[ ص: 115 ] وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْعَبْدِ ؟ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبِ الْخَصْمِ ، إِلَّا أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْعِلْمِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30489_30491_29785الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ : فَهِيَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ فِي أَحْكَامِهِ أُمُورًا أَرْبَعَةً أَحَدُهَا : أَنَّهَا غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِعِلَّةٍ أَصْلًا ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ كَانَ صَاحِبُهُ نَاقِصًا بِذَاتِهِ ، كَامِلًا بِغَيْرِهِ ، وَذَلِكَ عَلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مُحَالٌ ، وَثَانِيهَا : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِهَا مَنْفَعَةٌ عَائِدَةٌ إِلَى الْعَبْدِ لَا إِلَى الْحَقِّ ، فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ ، وَثَالِثُهَا : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لَهُ الْإِلْزَامَ وَالْحُكْمَ فِي الدُّنْيَا كَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ . وَرَابِعُهَا : أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَى الْحَقِّ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِ وَأَفْعَالِهِ شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْآخِرَةِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُقَبَّحُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، لِأَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ وَمُلْكُهُ ، وَالْمَمْلُوكَ الْمُجَازَى لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ الْمُجَازِي ، فَكَيْفَ الْمَمْلُوكُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ الْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29443الرُّتْبَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ : فَمَعْرِفَةُ أَسْمَائِهِ قَالَ فِي الْأَعْرَافِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) [ الْأَعْرَافِ : 180 ] وَقَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) [ الْإِسْرَاءِ : 110 ] وَقَالَ فِي طه (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) [ طه : 8 ] وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَشْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [ الْحَشْرِ : 24 ]
nindex.php?page=treesubj&link=29443وَالْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى هِيَ الْأَسْمَاءُ الْوَارِدَةُ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ الْمَعْصُومِينَ ، وَهَذِهِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَعَاقِدِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28735الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ ، فَهُوَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَوَّلُهَا : الْإِيمَانُ بِوُجُودِهَا ، وَالْبَحْثُ عَنْ أَنَّهَا رُوحَانِيَّةٌ مَحْضَةٌ ، أَوْ جُسْمَانِيَّةٌ ، أَوْ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْقِسْمَيْنِ ، وَبِتَقْدِيرِ
nindex.php?page=treesubj&link=28734كَوْنِهَا جُسْمَانِيَّةً فَهِيَ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ أَوْ كَثِيفَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ لَطِيفَةً فَهِيَ أَجْسَامٌ نُورَانِيَّةٌ ، أَوْ هَوَائِيَّةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَعَ لَطَافَةِ أَجْسَامِهَا بَالِغَةً فِي الْقُوَّةِ إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى ، فَذَاكَ مَقَامُ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي عُلُومِ الْحِكْمَةِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْبُرْهَانِيَّةِ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29737الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ : الْعِلْمُ بِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=50يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [ النَّحْلِ : 50 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=19لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 19 ] فَإِنَّ لَذَّتَهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ، وَأُنْسَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ ، وَكَمَا أَنَّ حَيَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بِنَفَسِهِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ ، فَكَذَلِكَ حَيَاتُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29747وَسَائِطُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْبَشَرِ ، فَكُلُّ قِسْمٍ مِنْهُمْ مُتَوَكَّلٌ عَلَى قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ هَذَا الْعَالَمِ ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=1وَالصَّافَّاتِ صَفًّا nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=2فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ) [ الصَّافَّاتِ : 1 ، 2 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=1وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=2فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ) [ الذَّارِيَاتِ : 1 ، 2 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=1وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=2فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ) [ الْمُرْسَلَاتِ : 1 ، 2 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=1وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=2وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) [ النَّازِعَاتِ : 1 ، 2 ] ، وَلَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ أَسْرَارًا مَخْفِيَّةً ، إِذَا طَالَعَهَا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَقَفُوا عَلَيْهَا .
وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29747_28739كُتُبَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةَ إِنَّمَا وَصَلَتْ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) [ التَّكْوِيرِ : 19 ، 20 ، 21 ] فَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي حُصُولِ الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ ، فَكُلَّمَا كَانَ غَوْصُ الْعَقْلِ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ أَشَدَّ كَانَ إِيمَانُهُ بِالْمَلَائِكَةِ أَتَمَّ .
[ ص: 116 ] وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28739الْإِيمَانُ بِالْكُتُبِ : فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا : أَنَّ يَعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى رَسُولِهِ ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْكِهَانَةِ ، وَلَا مِنْ بَابِ السِّحْرِ ، وَلَا مِنْ بَابِ إِلْقَاءِ الشَّيَاطِينِ وَالْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ ، وَثَانِيهَا : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْوَحْيَ بِهَذِهِ الْكُتُبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَلَائِكَةِ الْمُطَهَّرِينَ ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا مِنَ الشَّيَاطِينِ مِنْ إِلْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الْوَحْيِ الطَّاهِرِ ، وَعِنْدَ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28740إِنَّ الشَّيْطَانَ أَلْقَى قَوْلَهُ : تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا فِي أَثْنَاءِ الْوَحْيِ ، فَقَدْ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا ، وَطَرَقَ الطَّعْنَ وَالتُّهْمَةَ إِلَى الْقُرْآنِ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28740الْقُرْآنَ لَمْ يُغَيَّرْ وَلَمْ يُحَرَّفْ ، وَدَخَلَ فِيهِ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ تَرْتِيبَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَيْءٌ فَعَلَهُ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَخْرَجَ الْقُرْآنَ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً .
وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ ، وَأَنَّ مُحْكَمَهُ يَكْشِفُ عَنْ مُتَشَابِهِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30172الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ : فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ :
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : أَنَّ يَعْلَمَ
nindex.php?page=treesubj&link=28751كَوْنَهُمْ مَعْصُومِينَ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَقَدْ أَحْكَمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 36 ] وَجَمِيعُ الْآيَاتِ الَّتِي يَتَمَسَّكُ بِهَا الْمُخَالِفُونَ قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ تَأْوِيلَاتِهَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ بِعَوْنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : مِنْ مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ بِهِمْ : أَنَّ يَعْلَمَ
nindex.php?page=treesubj&link=30173أَنَّ النَّبِيَّ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ ، وَمِنَ الصُّوفِيَّةِ مَنْ يُنَازِعُ فِي هَذَا الْبَابِ .
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ السَّمَاوِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْأَرْضِيَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ) [ الْبَقَرَةِ : 34 ] وَلِأَرْبَابِ الْمُكَاشَفَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُبَاحَثَاتٌ غَامِضَةٌ .
الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْبَعْضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) [ الْبَقَرَةِ : 253 ] وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) .
وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28752الطَّرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا كَانُوا حَاضِرِينَ هُوَ ظُهُورُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى وَفْقِ دَعَاوِيهِمْ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الطَّرِيقَ ، وَجَبَ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ظَهَرَتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الطَّرِيقُ وَجَبَ أَنْ لَا يَدُلَّ فِي حَقِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ رِسَالَتِهِ ، فَأَمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى رِسَالَةِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ مُتَنَاقِضٌ ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَزْيِيفُ طَرِيقَةِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ
مُوسَى وَعِيسَى ، وَيُكَذِّبُونَ بِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) لَا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الْبَعْضِ فَهَذَا هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى أُصُولِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ .