( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ) .
قوله تعالى ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في إعراب موضع ( الذين يقولون ) وجوه :
الأول : أنه خفض صفة للذين اتقوا ، وتقدير الآية : للذين اتقوا الذين يقولون ، ويجوز أن يكون صفة للعباد ، والتقدير : والله بصير بالعباد وأولئك هم المتقون الذين لهم عند ربهم جنات هم الذين يقولون كذا وكذا .
والثاني : أن يكون نصبا على المدح .
والثالث : أن يكون رفعا على التخصيص ، والتقدير : هم الذين يقولون كذا وكذا .
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا ( ربنا إننا آمنا ) ثم إنهم قالوا بعد ذلك ( فاغفر لنا ذنوبنا ) وذلك يدل على أنهم توسلوا بمجرد الإيمان إلى طلب المغفرة والله تعالى حكى ذلك عنهم في معرض المدح لهم والثناء عليهم ، فدل هذا على أن [ ص: 175 ] تعالى ، فإن قالوا : العبد بمجرد الإيمان يستوجب الرحمة والمغفرة من الله جميع الطاعات ; أبطلنا ذلك عليهم بالدلائل المذكورة في تفسير قوله ( الإيمان عبارة عن الذين يؤمنون بالغيب ) [ البقرة : 3 ] وأيضا فمن أطاع الله تعالى في جميع الأمور ، وتاب عن جميع الذنوب ، كان إدخاله النار قبيحا من الله عندهم ، والقبيح هو الذي يلزم من فعله ، إما الجهل ، وإما الحاجة فهما محالان ، ومستلزم المحال محال ، فإدخال الله تعالى إياهم النار محال ، وما كان محال الوقوع عقلا كان الدعاء والتضرع في أن لا يفعله الله عبثا وقبيحا ، ونظير هذه الآية قوله تعالى في آخر هذه السورة ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) [ آل عمران : 193 ] .
فإن قيل : أليس أنه تعالى اعتبر جملة الطاعات في حصول المغفرة حيث أتبع هذه الآية بقوله ( الصابرين والصادقين ) [ آل عمران : 17 ] .
قلنا : تأويل هذه الآية يؤكد ما ذكرناه ، وذلك لأنه تعالى جعل مجرد الإيمان وسيلة إلى طلب المغفرة ، ثم ذكر بعدها صفات المطيعين وهي كونهم صابرين صادقين ، ولو كانت هذه الصفات شرائط لحصول هذه المغفرة لكان ذكرها قبل طلب المغفرة أولى ، فلما رتب طلب المغفرة على مجرد الإيمان ، ثم ذكر بعد ذلك هذه الصفات ، علمنا أن هذه الصفات غير معتبرة في حصول أصل المغفرة ، وإنما هي معتبرة في حصول كمال الدرجات .