المسألة الرابعة : اعلم أن للتقية أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها .
الحكم الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=24889_24886التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار ، ويخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان ، وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان ، بل يجوز أيضا أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة ، ولكن بشرط أن يضمر خلافه ، وأن يعرض في كل ما يقول ، فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب .
الحكم الثاني للتقية : هو أنه لو أفصح بالإيمان والحق حيث يجوز له التقية كان ذلك أفضل ، ودليله ما ذكرناه في قصة
مسيلمة .
الحكم الثالث للتقية : أنها إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة ، وقد تجوز أيضا فيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال والشهادة بالزور وقذف المحصنات وإطلاع الكفار على عورات المسلمين ، فذلك غير جائز البتة .
الحكم الرابع : ظاهر الآية يدل أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين إلا أن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس .
الحكم الخامس : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال يحتمل أن يحكم فيها بالجواز ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012075nindex.php?page=treesubj&link=8107_8106_25438_18081حرمة مال المسلم كحرمة دمه " ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011961من قتل دون ماله فهو شهيد " ولأن الحاجة إلى المال شديدة ،
nindex.php?page=treesubj&link=20663_320والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء ، وجاز الاقتصار على التيمم دفعا لذلك القدر من نقصان المال ، فكيف لا يجوز هاهنا والله أعلم .
الحكم السادس : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : هذا الحكم كان ثابتا في أول الإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا ، وروى عوف ، عن
الحسن أنه قال :
nindex.php?page=treesubj&link=27271_27620التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان .
[ ص: 13 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28ويحذركم الله نفسه ) وفيه قولان :
الأول : أن فيه محذوفا ، والتقدير : ويحذركم الله عقاب نفسه ، وقال
أبو مسلم : المعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28ويحذركم الله نفسه ) : أن تعصوه فتستحقوا عقابه ، والفائدة في ذكر النفس أنه لو قال : ويحذركم الله فهذا لا يفيد أن الذي أريد التحذير منه هو عقاب يصدر من الله أو من غيره ، فلما ذكر النفس زال هذا الاشتباه ، ومعلوم أن العقاب الصادر عنه يكون أعظم أنواع العقاب ؛ لكونه قادرا على ما لا نهاية له ، وأنه لا قدرة لأحد على دفعه ومنعه مما أراد .
والقول الثاني : أن النفس هاهنا تعود إلى
nindex.php?page=treesubj&link=18271_18272_28802اتخاذ الأولياء من الكفار ، أي ينهاهم الله عن نفس هذا الفعل .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28وإلى الله المصير ) والمعنى : إن الله يحذركم عقابه عند مصيركم إلى الله .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اعْلَمْ أَنَّ لِلتَّقِيَّةِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَهَا .
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24889_24886التَّقِيَّةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ ، وَيَخَافُ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَيُدَارِيهِمْ بِاللِّسَانِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُظْهِرَ الْعَدَاوَةَ بِاللِّسَانِ ، بَلْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُظْهِرَ الْكَلَامَ الْمُوهِمَ لِلْمَحَبَّةِ وَالْمُوَالَاةِ ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُضْمِرَ خِلَافَهُ ، وَأَنْ يُعَرِّضَ فِي كُلِّ مَا يَقُولُ ، فَإِنَّ التَّقِيَّةَ تَأْثِيرُهَا فِي الظَّاهِرِ لَا فِي أَحْوَالِ الْقُلُوبِ .
الْحُكْمُ الثَّانِي لِلتَّقِيَّةِ : هُوَ أَنَّهُ لَوْ أَفْصَحَ بِالْإِيمَانِ وَالْحَقِّ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ التَّقِيَّةُ كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ ، وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قِصَّةِ
مُسَيْلِمَةَ .
الْحُكْمُ الثَّالِثُ لِلتَّقِيَّةِ : أَنَّهَا إِنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ ، وَقَدْ تَجُوزُ أَيْضًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الدِّينِ فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ ضَرَرُهُ إِلَى الْغَيْرِ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ وَالشَّهَادَةِ بِالزُّورِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَإِطْلَاعِ الْكُفَّارِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ الْبَتَّةَ .
الْحُكْمُ الرَّابِعُ : ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ أَنَّ التَّقِيَّةَ إِنَّمَا تَحِلُّ مَعَ الْكُفَّارِ الْغَالِبِينَ إِلَّا أَنَّ مَذْهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْحَالَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا شَاكَلَتِ الْحَالَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ حَلَّتِ التَّقِيَّةُ مُحَامَاةً عَلَى النَّفْسِ .
الْحُكْمُ الْخَامِسُ : التَّقِيَّةُ جَائِزَةٌ لِصَوْنِ النَّفْسِ ، وَهَلْ هِيَ جَائِزَةٌ لِصَوْنِ الْمَالِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا بِالْجَوَازِ ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012075nindex.php?page=treesubj&link=8107_8106_25438_18081حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ " وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011961مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْمَالِ شَدِيدَةٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20663_320وَالْمَاءُ إِذَا بِيعَ بِالْغَبْنِ سَقَطَ فَرْضُ الْوُضُوءِ ، وَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّيَمُّمِ دَفْعًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ نُقْصَانِ الْمَالِ ، فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ هَاهُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحُكْمُ السَّادِسُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : هَذَا الْحُكْمُ كَانَ ثَابِتًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِأَجْلِ ضَعْفِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَّا بَعْدَ قُوَّةِ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ فَلَا ، وَرَوَى عَوْفٌ ، عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=27271_27620التَّقِيَّةُ جَائِزَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى ، لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
[ ص: 13 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ فِيهِ مَحْذُوفًا ، وَالتَّقْدِيرُ : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ عِقَابَ نَفْسِهِ ، وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الْمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) : أَنْ تَعْصُوهُ فَتَسْتَحِقُّوا عِقَابَهُ ، وَالْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ النَّفْسِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ فَهَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّ الَّذِي أُرِيدَ التَّحْذِيرُ مِنْهُ هُوَ عِقَابٌ يَصْدُرُ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، فَلَمَّا ذَكَرَ النَّفْسَ زَالَ هَذَا الِاشْتِبَاهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِقَابَ الصَّادِرَ عَنْهُ يَكُونُ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الْعِقَابِ ؛ لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَى دَفْعِهِ وَمَنْعِهِ مِمَّا أَرَادَ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ النَّفْسَ هَاهُنَا تَعُودُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=18271_18272_28802اتِّخَاذِ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ ، أَيْ يَنْهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ نَفْسِ هَذَا الْفِعْلِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) وَالْمَعْنَى : إِنَّ اللَّهَ يُحَذِّرُكُمْ عِقَابَهُ عِنْدَ مَصِيرِكُمْ إِلَى اللَّهِ .