القصة الثالثة
وصفه
nindex.php?page=treesubj&link=31979طهارة مريم صلوات الله عليها
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين )
قوله سبحانه وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) وفيه مسائل :
[ ص: 38 ] المسألة الأولى : عامل الإعراب هاهنا في " إذ " هو ما ذكرناه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35إذ قالت امرأة عمران ) [ آل عمران : 35 ] من قوله : ( سميع عليم ) ثم عطف عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إذ قالت الملائكة ) وقيل : تقديره واذكر إذ قالت الملائكة .
المسألة الثانية : قالوا المراد بالملائكة هاهنا
جبريل وحده ، وهذا كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره ) [ النحل : 2 ] يعني
جبريل ، وهذا وإن كان عدولا عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه ؛ لأن سورة مريم دلت على أن المتكلم مع
مريم - عليها السلام - هو
جبريل -عليه السلام - ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ) [ مريم : 17 ] .
المسألة الثالثة : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=31979_32003مريم - عليها السلام - ما كانت من الأنبياء لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] وإذا كان كذلك كان إرسال
جبريل - عليه السلام - إليها إما أن يكون كرامة لها ، وهو مذهب من يجوز كرامات الأولياء ، أو إرهاصا
لعيسى - عليه السلام - ، وذلك جائز عندنا ، وعند
الكعبي من
المعتزلة ، أو معجزة
لزكرياء -عليه السلام - ، وهو قول جمهور
المعتزلة ، ومن الناس من قال : إن ذلك كان على سبيل النفث في الروع والإلهام والإلقاء في القلب ، كما كان في حق
أم موسى - عليه السلام - في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وأوحينا إلى أم موسى ) [ القصص : 7 ] .
المسألة الرابعة : اعلم أن المذكور في هذه الآية أولا : هو الاصطفاء ، وثانيا : التطهير ، وثالثا : الاصطفاء على نساء العالمين ، ولا يجوز أن يكون الاصطفاء أولا من الاصطفاء الثاني ، لما أن التصريح بالتكرير غير لائق ، فلا بد من صرف الاصطفاء الأول إلى ما اتفق لها من الأمور الحسنة في أول عمرها ، والاصطفاء الثاني إلى ما اتفق لها في آخر عمرها .
النوع الأول من الاصطفاء : فهو أمور :
أحدها : أنه تعالى قبل تحريرها مع أنها كانت أنثى ولم يحصل مثل هذا المعنى لغيرها من الإناث .
وثانيها : قال
الحسن : إن أمها لما وضعتها ما غذتها طرفة عين ، بل ألقتها إلى
زكريا ، وكان رزقها يأتيها من الجنة .
وثالثها : أنه تعالى فرغها لعبادته ، وخصها في هذا المعنى بأنواع اللطف والهداية والعصمة .
ورابعها : أنه كفاها أمر معيشتها ، فكان يأتيها رزقها من عند الله تعالى على ما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37أنى لك هذا قالت هو من عند الله ) .
وخامسها : أنه تعالى أسمعها كلام الملائكة شفاها ، ولم يتفق ذلك لأنثى غيرها ، فهذا هو المراد من الاصطفاء الأول .
وأما التطهير ففيه وجوه :
أحدها : أنه تعالى طهرها عن الكفر والمعصية ، فهو كقوله تعالى في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33ويطهركم تطهيرا ) [ الأحزاب : 33 ] .
وثانيها : أنه تعالى طهرها عن مسيس الرجال .
وثالثها : طهرها عن الحيض ، قالوا : كانت
مريم لا تحيض .
ورابعها : وطهرك من الأفعال الذميمة ، والعادات القبيحة .
وخامسها : وطهرك عن مقالة اليهود وتهمتهم وكذبهم .
وأما الاصطفاء الثاني : فالمراد أنه تعالى وهب لها
عيسى - عليه السلام - من غير أب ، وأنطق
عيسى حال انفصاله منها حتى شهد بما يدل على براءتها عن التهمة ، وجعلها وابنها آية للعالمين ، فهذا هو المراد من هذه الألفاظ الثلاثة .
[ ص: 39 ] المسألة الخامسة : روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012086حسبك من نساء العالمين أربع : مريم وآسية امرأة فرعون ، nindex.php?page=showalam&ids=10640وخديجة ، وفاطمة عليهن السلام " فقيل هذا الحديث دل على أن هؤلاء الأربع أفضل من النساء ، وهذه الآية دلت على أن
مريم - عليها السلام - أفضل من الكل ، وقول من قال المراد إنها مصطفاة على عالمي زمانها ، فهذا ترك الظاهر .
الْقِصَّةُ الثَّالِثَةُ
وَصْفُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=31979طَهَارَةَ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهَا
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
[ ص: 38 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : عَامِلُ الْإِعْرَابِ هَاهُنَا فِي " إِذْ " هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=35إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 35 ] مِنْ قَوْلِهِ : ( سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ ) وَقِيلَ : تَقْدِيرُهُ وَاذْكُرْ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالُوا الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ هَاهُنَا
جِبْرِيلُ وَحْدَهُ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) [ النَّحْلِ : 2 ] يَعْنِي
جِبْرِيلَ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عُدُولًا عَنِ الظَّاهِرِ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّ سُورَةَ مَرْيَمَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَعَ
مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - هُوَ
جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) [ مَرْيَمَ : 17 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31979_32003مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - مَا كَانَتْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=109وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ) [ يُوسُفَ : 109 ] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ إِرْسَالُ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَيْهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَرَامَةً لَهَا ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَنْ يُجَوِّزُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، أَوْ إِرْهَاصًا
لِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ
الْكَعْبِيِّ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ ، أَوْ مُعْجِزَةً
لِزَكَرِيَّاءُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ النَّفْثِ فِي الرُّوعِ وَالْإِلْهَامِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الْقَلْبِ ، كَمَا كَانَ فِي حَقِّ
أُمِّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ) [ الْقَصَصِ : 7 ] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوَّلًا : هُوَ الِاصْطِفَاءُ ، وَثَانِيًا : التَّطْهِيرُ ، وَثَالِثًا : الِاصْطِفَاءُ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاصْطِفَاءُ أَوَّلًا مِنْ الِاصْطِفَاءِ الثَّانِي ، لَمَّا أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالتَّكْرِيرِ غَيْرُ لَائِقٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ الِاصْطِفَاءِ الْأَوَّلِ إِلَى مَا اتَّفَقَ لَهَا مِنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ فِي أَوَّلِ عُمُرِهَا ، وَالِاصْطِفَاءُ الثَّانِي إِلَى مَا اتَّفَقَ لَهَا فِي آخِرِ عُمُرِهَا .
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنَ الِاصْطِفَاءِ : فَهُوَ أُمُورٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَبِلَ تَحْرِيرَهَا مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ أُنْثَى وَلَمْ يَحْصُلْ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِهَا مِنَ الْإِنَاثِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
الْحَسَنُ : إِنَّ أُمَّهَا لَمَّا وَضَعَتْهَا مَا غَذَّتْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ ، بَلْ أَلْقَتْهَا إِلَى
زَكَرِيَّا ، وَكَانَ رِزْقُهَا يَأْتِيهَا مِنَ الْجَنَّةِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى فَرَّغَهَا لِعِبَادَتِهِ ، وَخَصَّهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْوَاعِ اللُّطْفِ وَالْهِدَايَةِ وَالْعِصْمَةِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهُ كَفَاهَا أَمْرَ مَعِيشَتِهَا ، فَكَانَ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=37أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) .
وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى أَسْمَعَهَا كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ شِفَاهًا ، وَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ لِأُنْثَى غَيْرِهَا ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الِاصْطِفَاءِ الْأَوَّلِ .
وَأَمَّا التَّطْهِيرُ فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى طَهَّرَهَا عَنِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الْأَحْزَابِ : 33 ] .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ تَعَالَى طَهَّرَهَا عَنْ مَسِيسِ الرِّجَالِ .
وَثَالِثُهَا : طَهَّرَهَا عَنِ الْحَيْضِ ، قَالُوا : كَانَتْ
مَرْيَمُ لَا تَحِيضُ .
وَرَابِعُهَا : وَطَهَّرَكِ مِنَ الْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ ، وَالْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ .
وَخَامِسُهَا : وَطَهَّرَكِ عَنْ مَقَالَةِ الْيَهُودِ وَتُهْمَتِهِمْ وَكَذِبِهِمْ .
وَأَمَّا الِاصْطِفَاءُ الثَّانِي : فَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى وَهَبَ لَهَا
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ أَبٍ ، وَأَنْطَقَ
عِيسَى حَالَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا حَتَّى شَهِدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهَا عَنِ التُّهْمَةِ ، وَجَعَلَهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ .
[ ص: 39 ] الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012086حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ : مَرْيَمُ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، nindex.php?page=showalam&ids=10640وَخَدِيجَةُ ، وَفَاطِمَةُ عَلَيْهِنَّ السَّلَامُ " فَقِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ مِنَ النِّسَاءِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ
مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - أَفْضَلُ مِنَ الْكُلِّ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ إِنَّهَا مُصْطَفَاةٌ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهَا ، فَهَذَا تَرَكَ الظَّاهِرَ .