ثم وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا ) والمعنى ليميز المؤمنين عن المنافقين . وفي الآية مسائل : قال : (
المسألة الأولى : قال الواحدي : يقال : نافق الرجل فهو منافق إذا أظهر كلمة الإيمان وأضمر خلافها ، اسم إسلامي اختلف في اشتقاقه على وجوه : والنفاق
الأول : قال أبو عبيدة : هو من نافقاء اليربوع ، وذلك لأن جحر اليربوع له بابان : القاصعاء والنافقاء ، فإذا طلب من أيهما كان خرج من الآخر ، فقيل للمنافق إنه [ ص: 69 ] منافق ، لأنه وضع لنفسه طريقين ، إظهار الإسلام وإضمار الكفر ، فمن أيهما طلبته خرج من الآخر .
الثاني : قال : المنافق من النفق وهو السرب ، ومعناه أنه يتستر بالإسلام كما يتستر الرجل في السرب . ابن الأنباري
الثالث : أنه مأخوذ من النافقاء ، لكن على غير هذا الوجه الذي ذكره أبو عبيدة ، وهو أن النافقاء جحر يحفره اليربوع في داخل الأرض ، ثم إنه يرقق مما فوق الجحر ، حتى إذا رابه ريب دفع التراب برأسه وخرج ، فقيل للمنافق منافق لأنه يضمر الكفر في باطنه ، فإذا فتشته رمى عنه ذلك الكفر وتمسك بالإسلام .
المسألة الثانية : قوله : ( وليعلم المؤمنين ) ظاهره يشعر بأنه لأجل أن يحصل له هذا العلم أذن في تلك المصيبة ، وهذا يشعر بتجدد علم الله ، وهذا محال في حق علم الله تعالى ، فالمراد ههنا من العلم المعلوم ، والتقدير : ليتبين المؤمن من المنافق ، وليتميز أحدهما عن الآخر حصل الإذن في تلك المصيبة ، وقد تقدم تقرير هذا المعنى في الآيات المتقدمة ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : في الآية حذف ، تقديره وليعلم إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين .
فإن قيل : لم قال : ( وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا ) ولم يقل : وليعلم المنافقين ؟
قلنا : الاسم يدل على تأكيد ذلك المعنى ، والفعل يدل على تجدده ، وقوله : ( وليعلم المؤمنين ) يدل على كونهم مستقرين على إيمانهم متثبتين فيه ، وأما ( نافقوا ) فيدل على كونهم إنما شرعوا في الأعمال اللائقة بالنفاق في ذلك الوقت .