المسألة الثالثة : في الذات : روى عبد الله الأنصاري الهروي في الكتاب الذي سماه بالفاروق أخبارا تدل على هذا اللفظ :
أحدها عن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " عائشة إن من أعظم الناس أجرا الوزير الصالح من أمير يطيعه في ذات الله " .
وثانيها عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة إبراهيم لم يكذب إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله " . إن
وثالثها عن عن أبيه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كعب بن عجرة عليا فإنه كان مخشوشا في ذات الله " . لا تسبوا
ورابعها عن أبي ذر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الجهاد أفضل ؟ قال : " أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله " .
وخامسها عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " النعمان بن بشير إن للشيطان مصايد وفخوخا منها البطر بأنعم الله ، والفخر بعطاء الله ، والكبر على عباد الله ، واتباع الهوى في غير ذات الله " .
وأقول : إن كل شيء حصل به أمر من الأمور فإن كان اللفظ الدال على ذلك الشيء مذكرا قيل إنه ذو ذلك الأمر ، وإن كان مؤنثا قيل إنها ذات ذلك الأمر ، فهذه اللفظة وضعت لإفادة هذه النسبة والدلالة على ثبوت هذه الإضافة ، إذا عرفت هذا فنقول : إنه من المحال أن تثبت هذه الصفة لصفة ثانية ، وتلك الصفة الثانية تثبت لصفة ثالثة ، وهكذا إلى غير النهاية ، بل لا بد وأن تنتهي إلى حقيقة واحدة قائمة بنفسها مستقلة بماهيتها ، وحينئذ يصدق على تلك الحقيقة أنها ذات تلك الصفات ، فقولنا : إنها ذات كذا وكذا إنما يصدق في الحقيقة على تلك الماهية القائمة بنفسها ، فلهذا السبب جعلوا هذه اللفظة كاللفظة المفردة الدالة على هذه الحقيقة ، ولما كان الحق تعالى قيوما في ذاته كان إطلاق اسم الذات عليه حقا وصدقا ، وأما الأخبار التي رويناها عن الأنصاري الهروي فإن شيئا منها لا يدل على هذا المعنى ؛ لأنه ليس المراد من لفظ الذات فيها حقيقة الله تعالى وماهيته ، وإنما المراد منه طلب رضوان الله ، ألا ترى أنه قال : " إبراهيم إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله " أي : في طلب مرضاة الله ، وهكذا الكلام في سائر الأخبار . لم يكذب