( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )
قوله تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) .
اعلم أن قوله ( الشيطان ) خبر ( ذلكم ) بمعنى : إنما ذلكم المثبط هو الشيطان و ( يخوف أولياءه ) جملة مستأنفة بيان لتثبيطه ، أو ( الشيطان ) صفة لاسم الإشارة و ( يخوف ) الخبر ، والمراد بالشيطان الركب ، وقيل : نعيم بن مسعود ، وسمي شيطانا لعتوه وتمرده في الكفر ، كقوله : ( شياطين الإنس والجن ) [ الأنعام : 112 ] وقيل : هو الشيطان يخوف بالوسوسة .
أما قوله تعالى : ( يخوف أولياءه ) ففيه سؤال : وهو أن الذين سماهم الله بالشيطان إنما خوفوا المؤمنين ، فما معنى قوله : ( الشيطان يخوف أولياءه ) والمفسرون ذكروا فيه ثلاثة أوجه :
الأول : تقدير الكلام : ذلكم الشيطان يخوفكم بأوليائه ، فحذف المفعول الثاني وحذف الجار ، ومثال حذف المفعول الثاني قوله تعالى : ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ) [ القصص : 7 ] أي فإذا خفت عليه فرعون ، ومثال حذف الجار قوله تعالى : ( لينذر بأسا شديدا ) [ الكهف : 2 ] معناه : لينذركم ببأس ، وقوله : ( لينذر يوم التلاق ) [ غافر : 15 ] أي لينذركم بيوم التلاق ، وهذا قول الفراء ، والزجاج ، وأبي علي . قالوا : ويدل عليه قراءة " يخوفكم بأوليائه " . أبي بن كعب
القول الثاني : أن هذا على قول القائل : خوفت زيدا عمرا ، وتقدير الآية : يخوفكم أولياءه ، فحذف المفعول الأول ، كما تقول : أعطيت الأموال ، أي أعطيت القوم الأموال ، قال : وهذا أولى من ادعاء جار لا دليل عليه ، وقوله : ( لينذر بأسا ) أي لينذركم بأسا ، وقوله : ( ابن الأنباري لينذر يوم التلاق ) أي لينذركم يوم التلاق ، والتخويف يتعدى إلى مفعولين من غير حرف جر ، تقول : خاف زيد القتال ، وخوفته القتال ، وهذا الوجه يدل عليه قراءة ابن مسعود " يخوفكم أولياءه " .
القول الثالث : أن معنى الآية : يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين ، والمعنى : الشيطان يخوف أولياءه الذين يطيعونه ويؤثرون أمره ، فأما ، فإنهم لا يخافونه إذا خوفهم ولا ينقادون لأمره ومراده منهم ، وهذا قول أولياء الله الحسن والسدي ، فالقول الأول فيه محذوفان ، والثاني فيه محذوف واحد ، والثالث لا حذف فيه . وأما الأولياء فهم المشركون والكفار ، وقوله : ( فلا تخافوهم ) الكناية في القولين الأولين عائدة [ ص: 84 ] إلى الأولياء ، وفي القول الثالث عائدة إلى " الناس " في قوله : ( إن الناس قد جمعوا لكم ) ( فلا تخافوهم ) فتقعدوا عن القتال وتجبنوا ( وخافون ) فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى ما يأمركم به ( إن كنتم مؤمنين ) يعني أن . الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف الناس