ثم قال تعالى : ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال : محصنات أي : عفائف ، وهو حال من قوله : ( ابن عباس فانكحوهن بإذن أهلهن ) ، فظاهر هذا يوجب حرمة من الإماء ، واختلف الناس في أن نكاح الزواني هل يجوز أم لا ؟ وسنذكره في قوله : ( نكاح الزواني الزاني لا ينكح إلا زانية ) [ النور : 3 ] والأكثرون على أنه يجوز فتكون هذه الآية محمولة على الندب والاستحباب ، وقوله : ( غير مسافحات ) أي : غير زوان ( ولا متخذات أخدان ) جمع خدن ، كالأتراب جمع ترب ، والخدن الذي يخادنك وهو الذي يكون معك في كل أمر ظاهر وباطن . قال أكثر المفسرين : المسافحة هي التي تؤاجر نفسها مع أي رجل أرادها ، والتي تتخذ الخدن فهي التي تتخذ خدنا معينا ، وكان أهل الجاهلية يفصلون بين القسمين ، وما كانوا يحكمون على ذات الخدن بكونها زانية ، [ ص: 52 ] فلما كان هذا الفرق معتبرا عندهم لا جرم أن الله سبحانه أفرد كل واحد من هذين القسمين بالذكر ، ونص على حرمتهما معا ، ونظيره أيضا قوله تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) [ الأعراف : 33 ] .
المسألة الثانية : قال القاضي : هذه الآية أحد ما يستدل به من لا يجعل الإيمان في نكاح الفتيات شرطا ؛ لأنه لو كان ذلك شرطا لكان كونهن محصنات عفيفات أيضا شرطا ، وهذا ليس بشرط .
وجوابه : أن هذا معطوف لا على ذكر الفتيات المؤمنات ، بل على قوله : ( فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن ) ولا شك أن كل ذلك واجب ، فعلمنا أنه لا يلزم من عدم الوجوب في هذا عدم الوجوب فيما قبله والله أعلم .