قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )
اعلم أنه تعالى لما أمر الرعاة والولاة بالعدل في الرعية ، فقال : ( أمر الرعية بطاعة الولاة ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ) ولهذا قال - رضي الله عنه - : علي بن أبي طالب ، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا . وفي الآية مسائل : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة
المسألة الأولى : قالت المعتزلة : الطاعة موافقة الإرادة ، وقال أصحابنا : الطاعة موافقة الأمر لا موافقة الإرادة . لنا أنه لا نزاع في أن موافقة الأمر طاعة ، إنما النزاع أن المأمور به هل يجب أن يكون مرادا أم لا ؟ فإذا دللنا على أن المأمور به قد لا يكون مرادا ثبت حينئذ أن الطاعة ليست عبارة عن موافقة الإرادة ، وإنما قلنا : إن الله قد يأمر بما لا يريد ؛ لأن علم الله وخبره قد تعلقا بأن الإيمان لا يوجد من أبي لهب البتة ، وهذا العلم وهذا الخبر يمتنع زوالهما وانقلابهما جهلا ، ووجود الإيمان مضاد ومناف لهذا العلم ولهذا الخبر ، والجمع بين الضدين محال ، فكان صدور الإيمان من أبي لهب محالا . والله تعالى عالم بكل هذه الأحوال فيكون عالما بكونه محالا ، والعالم بكون الشيء محالا لا يكون مريدا له ، فثبت أنه تعالى غير مريد للإيمان من أبي لهب وقد أمره بالإيمان ، فثبت أن الأمر قد يوجد بدون الإرادة ، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن طاعة الله عبارة عن موافقة أمره لا عن موافقة إرادته ، وأما المعتزلة فقد احتجوا على أن الطاعة اسم لموافقة الإرادة بقول الشاعر :
رب من أنضجت غيظا صدره قد تمنى لي موتا لم يطع
رتب الطاعة على التمني وهو من جنس الإرادة .
والجواب : أن العاقل عالم بأن الدليل القاطع الذي ذكرناه لا يليق معارضته بمثل هذه الحجة الركيكة .