(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) .
اعلم أن عادة الله في
nindex.php?page=treesubj&link=28875_28900ترتيب هذا الكتاب الكريم وقع على أحسن الوجوه ، وهو أنه يذكر شيئا من الأحكام ، ثم يذكر عقيبه آيات كثيرة في الوعد والترغيب والترهيب ، ويخلط بها آيات دالة على كبرياء الله وجلال قدرته وعظمة إلهيته . ثم يعود مرة أخرى إلى بيان الأحكام ، وهذا أحسن أنواع الترتيب وأقربها إلى التأثير في القلوب ؛ لأن التكليف بالأعمال الشاقة لا يقع في موقع القبول إلا إذا كان مقرونا بالوعد والوعيد ، والوعد والوعيد لا يؤثر في القلب إلا عند القطع بغاية كمال من صدر عنه الوعد والوعيد ؛ فظهر أن هذا الترتيب أحسن الترتيبات اللائقة بالدعوة إلى الدين الحق .
إذا عرفت هذا فنقول : إنه سبحانه ذكر في أول هذه السورة أنواعا كثيرة من الشرائع والتكاليف ، ثم أتبعها بشرح أحوال الكافرين والمنافقين واستقصى في ذلك ، ثم ختم تلك الآيات الدالة على عظمة جلال الله وكمال كبريائه ، ثم عاد بعد ذلك إلى بيان الأحكام فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28861_32267ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ) وفي الآية مسائل :
[ ص: 50 ] المسألة الأولى : قال
الواحدي -رحمه الله- :
nindex.php?page=treesubj&link=22321الاستفتاء طلب الفتوى يقال : استفتيت الرجل في المسألة فأفتاني إفتاءا وفتيا وفتوى ، وهما اسمان موضوعان موضع الإفتاء ، ويقال : أفتيت فلانا في رؤيا رآها إذا عبرها قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان ) [يوسف : 46] . ومعنى الإفتاء إظهار المشكل ، وأصله من الفتى ، وهو الشاب الذي قوي وكمل ، فالمعنى : كأنه يقوى ببيانه ما أشكل ، ويصير قويا فتيا .
المسألة الثانية : ذكروا في سبب نزول هذه الآية قولين :
الأول : أن العرب كانت لا تورث النساء والصبيان شيئا من الميراث ، كما ذكرنا في أول هذه السورة ، فهذه الآية نزلت في توريثهم .
والثاني : أن الآية نزلت في توفية الصداق لهن ، وكانت اليتيمة تكون عند الرجل ، فإذا كانت جميلة ولها مال تزوج بها وأكل مالها ، وإذا كانت دميمة منعها من الأزواج حتى تموت فيرثها ، فأنزل الله هذه الآية .
المسألة الثالثة : اعلم أن الاستفتاء لا يقع عن ذوات النساء وإنما يقع عن حالة من أحوالهن وصفة من صفاتهم ، وتلك الحالة غير مذكورة في الآية ، فكانت مجملة غير دالة على الأمر الذي وقع عنه الاستفتاء .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=28975قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم ) ففيه أقوال :
الأول : أنه رفع بالابتداء والتقدير : قل الله يفتيكم في النساء ، والمتلو في الكتاب يفتيكم فيهن أيضا ، وذلك المتلو في الكتاب هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) [النساء : 3] .
وحاصل الكلام أنهم كانوا قد سألوا عن أحوال كثيرة من أحوال النساء ، فما كان منها غير مبين الحكم ذكر أن الله يفتيهم فيها ، وما كان منها مبين الحكم في الآيات المتقدمة ذكر أن تلك الآيات المتلوة تفتيهم فيها ، وجعل دلالة الكتاب على هذا الحكم إفتاء من الكتاب ، ألا ترى أنه يقال في المجاز المشهور : إن كتاب الله بين لنا هذا الحكم ، وكما جاز هذا جاز أيضا أن يقال : إن كتاب الله أفتى بكذا .
القول الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم ) مبتدأ ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127في الكتاب ) خبره ، وهي جملة معترضة ، والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ ، والغرض منه تعظيم حال هذه الآية التي تتلى عليهم ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=33307العدل والإنصاف في حقوق اليتامى من عظائم الأمور عند الله تعالى التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها ، والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه الله . ونظيره في تعظيم القرآن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) [الزخرف : 4] .
القول الثالث : أنه مجرور على القسم ، كأنه قيل : قل الله يفتيكم فيهن ، وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب ، والقسم أيضا بمعنى التعظيم .
والقول الرابع : أنه عطف على المجرور في قوله : ( فيهن ) والمعنى : قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء . قال
الزجاج : وهذا الوجه بعيد جدا نظرا إلى اللفظ والمعنى ؛ أما اللفظ فلأنه يقتضي عطف المظهر على المضمر ، وذلك غير جائز ، كما شرحناه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1تساءلون به والأرحام ) [النساء : 1] . وأما المعنى فلأن هذا القول يقتضي أنه تعالى في تلك المسائل أفتى ، ويفتي أيضا فيما يتلى من الكتاب ، ومعلوم أنه ليس المراد ذلك ، وإنما المراد أنه تعالى يفتي فيما سألوا من المسائل : بقي ههنا سؤالان :
السؤال الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=34077بم تعلق قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127في يتامى النساء ) ؟ .
[ ص: 51 ] قلنا : هو في الوجه الأول صلة " يتلى " أي : يتلى عليكم في معناهن ، وأما في سائر الوجوه فبدل من " فيهن " .
السؤال الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=34077الإضافة في ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127يتامى النساء ) ما هي ؟ .
الجواب : قال
الكوفيون : معناه في النساء اليتامى ، فأضيفت الصفة إلى الاسم ، كما تقول : يوم الجمعة ، وحق اليقين ، وقال
البصريون : إضافة الصفة إلى الاسم غير جائز ، فلا يقال : مررت بطالعة الشمس ؛ وذلك لأن الصفة والموصوف شيء واحد ، وإضافة الشيء إلى نفسه محال ، وهذا التعليل ضعيف ؛ لأن الموصوف قد يبقى بدون الوصف ، وذلك يدل على أن الموصوف غير الصفة ، ثم إن
البصريين فرعوا على هذا القول ، وقالوا : النساء في الآية غير اليتامى ، والمراد بالنساء أمهات اليتامى أضيفت إليهن أولادهن اليتامى ، ويدل عليه أن الآية نزلت في قصة
أم كحة ، وكانت لها يتامى .
ثم قال :
nindex.php?page=treesubj&link=33311_28975 ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127اللاتي لا تؤتونهن ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد ما فرض لهن من الميراث ، وهذا على قول من يقول : نزلت الآية في ميراث اليتامى والصغار ، وعلى قول الباقين المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ما كتب لهن ) الصداق .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وترغبون أن تنكحوهن ) قال
أبو عبيدة : هذا يحتمل الرغبة والنفرة ، فإن حملته على الرغبة كان المعنى : وترغبون في أن تنكحوهن ، وإن حملته على النفرة كان المعنى : وترغبون عن أن تنكحوهن لدمامتهن . واحتج أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة -رحمه الله - بهذه الآية على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=11074يجوز لغير الأب والجد تزويج الصغيرة ، ولا حجة لهم فيها لاحتمال أن يكون المراد : وترغبون أن تنكحوهن إذا بلغن ، والدليل على صحة قولنا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012493أن nindex.php?page=showalam&ids=121قدامة بن مظعون زوج بنت أخيه nindex.php?page=showalam&ids=5559عثمان بن مظعون من nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ، فخطبها nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة ، ورغب أمها في المال ، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قدامة : أنا عمها ووصي أبيها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها صغيرة وإنها لا تزوج إلا بإذنها ، وفرق بينها وبين ابن عمر ؛ ولأنه ليس في الآية أكثر من ذكر رغبة الأولياء في نكاح اليتيمة ، وذلك لا يدل على الجواز .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127والمستضعفين من الولدان ) وهو مجرور معطوف على يتامى النساء ؛
nindex.php?page=treesubj&link=30578_13713_13664كانوا في الجاهلية لا يورثون الأطفال ولا النساء ، وإنما يورثون الرجال الذين بلغوا إلى القيام بالأمور العظيمة دون الأطفال والنساء .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) وهو مجرور معطوف على المستضعفين ، وتقدير الآية : وما يتلى عليكم في الكتاب يفتيكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) يجازيكم عليه ولا يضيع عند الله منه شيء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ) .
اعْلَمْ أَنَّ عَادَةَ اللَّهِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28875_28900تَرْتِيبِ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَقَعَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ يَذْكُرُ شَيْئًا مِنَ الْأَحْكَامِ ، ثُمَّ يَذْكُرُ عَقِيبَهُ آيَاتٍ كَثِيرَةً فِي الْوَعْدِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ، وَيَخْلِطُ بِهَا آيَاتٍ دَالَّةً عَلَى كِبْرِيَاءِ اللَّهِ وَجَلَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَةِ إِلَهِيَّتِهِ . ثُمَّ يَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ أَنْوَاعِ التَّرْتِيبِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى التَّأْثِيرِ فِي الْقُلُوبِ ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ لَا يَقَعُ فِي مَوْقِعِ الْقَبُولِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْقَلْبِ إِلَّا عِنْدَ الْقَطْعِ بِغَايَةِ كَمَالِ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ؛ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ أَحْسَنُ التَّرْتِيبَاتِ اللَّائِقَةِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاسْتَقْصَى فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ خَتَمَ تِلْكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ جَلَالِ اللَّهِ وَكَمَالِ كِبْرِيَائِهِ ، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى بَيَانِ الْأَحْكَامِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28861_32267وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
[ ص: 50 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- :
nindex.php?page=treesubj&link=22321الِاسْتِفْتَاءُ طَلَبُ الْفَتْوَى يُقَالُ : اسْتَفْتَيْتُ الرَّجُلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَانِي إِفْتَاءًا وَفُتْيًا وَفَتْوًى ، وَهُمَا اسْمَانِ مَوْضُوعَانِ مَوْضِعَ الْإِفْتَاءِ ، وَيُقَالُ : أَفْتَيْتُ فُلَانًا فِي رُؤْيَا رَآهَا إِذَا عَبَرَهَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ) [يُوسُفَ : 46] . وَمَعْنَى الْإِفْتَاءِ إِظْهَارُ الْمُشْكِلِ ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَتَى ، وَهُوَ الشَّابُّ الَّذِي قَوِيَ وَكَمُلَ ، فَالْمَعْنَى : كَأَنَّهُ يَقْوَى بِبَيَانِهِ مَا أُشْكِلَ ، وَيَصِيرُ قَوِيًّا فَتِيًّا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تُوَرِّثُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ شَيْئًا مِنَ الْمِيرَاثِ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ ، فَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَوْرِيثِهِمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَوْفِيَةِ الصَّدَاقِ لَهُنَّ ، وَكَانَتِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ ، فَإِذَا كَانَتْ جَمِيلَةً وَلَهَا مَالٌ تَزَوَّجَ بِهَا وَأَكَلَ مَالَهَا ، وَإِذَا كَانَتْ دَمِيمَةً مَنَعَهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثَهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِفْتَاءَ لَا يَقَعُ عَنْ ذَوَاتِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِنَّ وَصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِمْ ، وَتِلْكَ الْحَالَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ ، فَكَانَتْ مُجْمَلَةً غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي وَقَعَ عَنْهُ الِاسْتِفْتَاءُ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28975قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) فَفِيهِ أَقْوَالٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالتَّقْدِيرُ : قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي النِّسَاءِ ، وَالْمَتْلُوُّ فِي الْكِتَابِ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ أَيْضًا ، وَذَلِكَ الْمَتْلُوُّ فِي الْكِتَابِ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) [النِّسَاءِ : 3] .
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ سَأَلُوا عَنْ أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ ، فَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مُبَيَّنِ الْحُكْمِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ يُفْتِيهِمْ فِيهَا ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مُبَيَّنَ الْحُكْمِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذَكَرَ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةَ تُفْتِيهِمْ فِيهَا ، وَجَعَلَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ إِفْتَاءً مِنَ الْكِتَابِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمَجَازِ الْمَشْهُورِ : إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ بَيَّنَ لَنَا هَذَا الْحُكْمَ ، وَكَمَا جَازَ هَذَا جَازَ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ : إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَفْتَى بِكَذَا .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) مُبْتَدَأٌ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127فِي الْكِتَابِ ) خَبَرُهُ ، وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ : اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَعْظِيمُ حَالِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي تُتْلَى عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33307الْعَدْلَ وَالْإِنْصَافَ فِي حُقُوقِ الْيَتَامَى مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا ، وَالْمُخِلُّ بِهَا ظَالِمٌ مُتَهَاوِنٌ بِمَا عَظَّمَهُ اللَّهُ . وَنَظِيرُهُ فِي تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) [الزُّخْرُفِ : 4] .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى الْقَسَمِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ، وَأُقْسِمُ بِمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ، وَالْقَسَمُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ .
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ : ( فِيهِنَّ ) وَالْمَعْنَى : قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ جِدًّا نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى ؛ أَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَطْفَ الْمُظْهَرِ عَلَى الْمُضْمَرِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، كَمَا شَرَحْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ) [النِّسَاءِ : 1] . وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَفْتَى ، وَيُفْتِي أَيْضًا فِيمَا يُتْلَى مِنَ الْكِتَابِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى يُفْتِي فِيمَا سَأَلُوا مِنَ الْمَسَائِلِ : بَقِيَ هَهُنَا سُؤَالَانِ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077بِمَ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ) ؟ .
[ ص: 51 ] قُلْنَا : هُوَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ صِلَةُ " يُتْلَى " أَيْ : يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي مَعْنَاهُنَّ ، وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ فَبَدَلٌ مِنْ " فِيهِنَّ " .
السُّؤَالُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=34077الْإِضَافَةُ فِي ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127يَتَامَى النِّسَاءِ ) مَا هِيَ ؟ .
الْجَوَابُ : قَالَ
الْكُوفِيُّونَ : مَعْنَاهُ فِي النِّسَاءِ الْيَتَامَى ، فَأُضِيفَتِ الصِّفَةُ إِلَى الِاسْمِ ، كَمَا تَقُولُ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَحَقُّ الْيَقِينِ ، وَقَالَ
الْبَصْرِيُّونَ : إِضَافَةُ الصِّفَةِ إِلَى الِاسْمِ غَيْرُ جَائِزٍ ، فَلَا يُقَالُ : مَرَرْتُ بِطَالِعَةِ الشَّمْسِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ مُحَالٌ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ قَدْ يَبْقَى بِدُونِ الْوَصْفِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْصُوفَ غَيْرُ الصِّفَةِ ، ثُمَّ إِنَّ
الْبَصْرِيِّينَ فَرَّعُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَقَالُوا : النِّسَاءُ فِي الْآيَةِ غَيْرُ الْيَتَامَى ، وَالْمُرَادُ بِالنِّسَاءِ أُمَّهَاتُ الْيَتَامَى أُضِيفَتْ إِلَيْهِنَّ أَوْلَادُهُنَّ الْيَتَامَى ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ
أُمِّ كُحَّةَ ، وَكَانَتْ لَهَا يَتَامَى .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=33311_28975 ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ مَا فُرِضَ لَهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي مِيرَاثِ الْيَتَامَى وَالصِّغَارِ ، وَعَلَى قَوْلِ الْبَاقِينَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127مَا كُتِبَ لَهُنَّ ) الصَّدَاقُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : هَذَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ وَالنَّفْرَةَ ، فَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الرَّغْبَةِ كَانَ الْمَعْنَى : وَتَرْغَبُونَ فِي أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ، وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى النَّفْرَةِ كَانَ الْمَعْنَى : وَتَرْغَبُونَ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِدَمَامَتِهِنَّ . وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=11074يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا بَلَغْنَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012493أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=121قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ nindex.php?page=showalam&ids=5559عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ مِنْ nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَخَطَبَهَا nindex.php?page=showalam&ids=19الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، وَرَغَّبَ أُمَّهَا فِي الْمَالِ ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ قُدَامَةُ : أَنَا عَمُّهَا وَوَصِيُّ أَبِيهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهَا صَغِيرَةٌ وَإِنَّهَا لَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِهَا ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِ عُمَرَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ ذِكْرِ رَغْبَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي نِكَاحِ الْيَتِيمَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ) وَهُوَ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى يَتَامَى النِّسَاءِ ؛
nindex.php?page=treesubj&link=30578_13713_13664كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْأَطْفَالَ وَلَا النِّسَاءَ ، وَإِنَّمَا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ الَّذِينَ بَلَغُوا إِلَى الْقِيَامِ بِالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ دُونَ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ) وَهُوَ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ : وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ يُفْتِيكُمْ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ وَفِي أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ) يُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ .