(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) .
[ ص: 60 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان :
الأول : أنها متصلة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كونوا قوامين بالقسط ) ؛ وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=19828_29674الإنسان لا يكون قائما بالقسط إلا إذا كان راسخ القدم في الإيمان بالأشياء المذكورة في هذه الآية .
وثانيهما : أنه تعالى لما بين الأحكام الكثيرة في هذه السورة ذكر عقيبها آية الأمر بالإيمان .
المسألة الثانية : اعلم أن ظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) مشعر بأنه أمر بتحصيل الحاصل ، ولا شك أنه محال ؛ فلهذا السبب ذكر المفسرون فيه وجوها وهي منحصرة في قولين :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28975المراد بقوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136ياأيها الذين آمنوا ) المسلمون ، ثم في تفسير الآية تفريعا على هذا القول وجوه :
الأول : أن المراد منه يا أيها الذين آمنوا آمنوا دوموا على الإيمان واثبتوا عليه ، وحاصله يرجع إلى هذا المعنى : يا أيها الذين آمنوا في الماضي والحاضر ، آمنوا في المستقبل ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19فاعلم أنه لا إله إلا الله ) [محمد : 19 ] ، مع أنه كان عالما بذلك .
وثانيها : يا أيها الذين آمنوا على سبيل التقليد آمنوا على سبيل الاستدلال .
وثالثها : يا أيها الذين آمنوا بحسب الاستدلالات الجميلة آمنوا بحسب الدلائل التفصيلية .
ورابعها : يا أيها الذين آمنوا بالدلائل التفصيلية بالله وملائكته وكتبه ورسله آمنوا بأن كنه عظمة الله لا تنتهي إليه عقولكم ، وكذلك أحوال الملائكة وأسرار الكتب وصفات الرسل لا تنتهي إليها على سبيل التفصيل عقولنا .
وخامسها :
روي أن جماعة من أحبار اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله ، إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل ، فقال صلى الله عليه وسلم : بل آمنوا بالله وبرسله وبمحمد وبكتابه القرآن ، وبكل كتاب كان قبله ، فقالوا : لا نفعل ، فنزلت هذه الآية فكلهم آمنوا .
القول الثاني : أن المخاطبين بقوله : ( آمنوا ) ليس هم المسلمون ، وفي تفسير الآية تفريعا على هذا القول وجوه :
الأول : أن الخطاب مع
اليهود والنصارى ، والتقدير : يا أيها الذين آمنوا
بموسى والتوراة ،
وعيسى والإنجيل آمنوا
بمحمد والقرآن .
وثانيها : أن الخطاب مع المنافقين ، والتقدير : يا أيها الذين آمنوا باللسان آمنوا بالقلب ، ويتأكد هذا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) [المائدة : 41] .
وثالثها : أنه خطاب مع الذين آمنوا وجه النهار وكفروا آخره ، والتقدير : يا أيها الذين آمنوا وجه النهار آمنوا أيضا آخره .
ورابعها : أنه خطاب للمشركين تقديره : يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى آمنوا بالله ، وأكثر العلماء رجحوا القول الأول ؛ لأن لفظ المؤمن لا يتناول عند الإطلاق إلا المسلمين .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=28923_28929_28926قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو : " والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل " على ما لم يسم فاعله ، والباقون : " نزل وأنزل" بالفتح ، فمن ضم فحجته قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم ) [ النحل : 44 ] ، وقال في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك ) [الأنعام : 114] ، ومن فتح فحجته قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر ) [ الحجر : 9 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر ) [ النحل : 44 ] ، وقال بعض العلماء : كلاهما حسن إلا أن الضم أفخم ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل ياأرض ابلعي ماءك ) [هود : 44] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) .
[ ص: 60 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) .
وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ) ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19828_29674الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ قَائِمًا بِالْقِسْطِ إِلَّا إِذَا كَانَ رَاسِخَ الْقَدَمِ فِي الْإِيمَانِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الْأَحْكَامَ الْكَثِيرَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ذَكَرَ عَقِيبَهَا آيَةَ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُحَالٌ ؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ وُجُوهًا وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي قَوْلَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28975الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) الْمُسْلِمُونَ ، ثُمَّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا دُومُوا عَلَى الْإِيمَانِ وَاثْبُتُوا عَلَيْهِ ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ ، آمِنُوا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) [مُحَمَّدٍ : 19 ] ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ .
وَثَانِيهَا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى سَبِيلِ التَّقْلِيدِ آمِنُوا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْلَالِ .
وَثَالِثُهَا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِحَسَبِ الِاسْتِدْلَالَاتِ الْجَمِيلَةِ آمِنُوا بِحَسَبِ الدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ .
وَرَابِعُهَا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِالدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ آمِنُوا بِأَنَّ كُنْهَ عَظَمَةِ اللَّهِ لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ عُقُولُكُمْ ، وَكَذَلِكَ أَحْوَالُ الْمَلَائِكَةِ وَأَسْرَارُ الْكُتُبِ وَصِفَاتُ الرُّسُلِ لَا تَنْتَهِي إِلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ عُقُولُنَا .
وَخَامِسُهَا :
رُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نُؤْمِنُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ وَعُزَيْرٍ ، وَنَكْفُرُ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَبِكِتَابِهِ الْقُرْآنِ ، وَبِكُلِّ كِتَابٍ كَانَ قَبْلَهُ ، فَقَالُوا : لَا نَفْعَلُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَكُلُّهُمْ آمَنُوا .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ : ( آمِنُوا ) لَيْسَ هُمُ الْمُسْلِمُونَ ، وَفِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَالتَّقْدِيرُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ ،
وَعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ آمِنُوا
بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ الْمُنَافِقِينَ ، وَالتَّقْدِيرُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللِّسَانِ آمِنُوا بِالْقَلْبِ ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) [الْمَائِدَةِ : 41] .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَكَفَرُوا آخِرَهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ آمِنُوا أَيْضًا آخِرَهُ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ تَقْدِيرُهُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى آمِنُوا بِاللَّهِ ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ رَجَّحُوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُؤْمِنِ لَا يَتَنَاوَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِلَّا الْمُسْلِمِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28923_28929_28926قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو : " وَالْكِتَابِ الَّذِي نُزِّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ، وَالْبَاقُونَ : " نَزَّلَ وَأَنْزَلَ" بِالْفَتْحِ ، فَمَنْ ضَمَّ فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) [ النَّحْلِ : 44 ] ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ ) [الْأَنْعَامِ : 114] ، وَمَنْ فَتَحَ فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) [ الْحِجْرِ : 9 ] ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ) [ النَّحْلِ : 44 ] ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : كِلَاهُمَا حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ الضَّمَّ أَفْخَمُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ ) [هُودٍ : 44] .