الوجه الرابع : أن الحمل على نفي الصحة أولى لوجوه :
أحدها : أن الأصل إبقاء ما كان على ما كان .
والثاني : أن جانب الحرمة راجح .
والثالث : أن هذا أحوط .
الحجة السابعة : عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أبي هريرة فهي خداج غير تمام صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب . قالوا : الخداج هو النقصان ، وذلك لا يدل على عدم الجواز ، قلنا : بل هذا يدل على عدم الجواز ؛ لأن التكليف بالصلاة قائم ، والأصل في الثابت البقاء ، خالفنا هذا الأصل عند الإتيان بالصلاة على صفة الكمال ، فعند الإتيان بها على سبيل النقصان وجب أن لا نخرج عن العهدة ، والذي يقوي هذا أن عند كل يصح أبي حنيفة ، إلا أنه لو صام يوم العيد قضاء عن رمضان لم يصح ، قال : لأن الواجب عليه هو الصوم الكامل ، والصوم في هذا اليوم ناقص ، فوجب أن لا يفيد هذا القضاء الخروج عن العهدة ، وإذا ثبت هذا فنقول : فلم لم يقل بمثل هذا الكلام في هذا المقام . الصوم في يوم العيد
الحجة الثامنة : نقل الشيخ أبو حامد في تعليقه عن ابن المنذر أنه روى بإسناده عن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب . أبي هريرة
والحجة التاسعة : روى رفاعة بن مالك . وجه الدليل أن هذا أمر ، والأمر للوجوب ، وأيضا الرجل قال : علمني الصلاة ، فكل ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم وجب أن يكون من الصلاة ، فلما ذكر قراءة الفاتحة وجب أن تكون قراءة الفاتحة جزءا من أجزاء الصلاة . أن رجلا دخل المسجد وصلى ، فلما فرغ من صلاته - وذكر الخبر إلى أن قال الرجل : علمني الصلاة يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : إذا توجهت إلى القبلة فكبر واقرأ بفاتحة الكتاب
الحجة العاشرة : روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ، قالوا : نعم ، قال : فما تقرءون في صلاتكم ؟ قالوا : الحمد لله رب العالمين ، فقال : هي هي بسورة ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها . وجه الدليل أنه عليه الصلاة والسلام لما قال : ألا أخبركم ما تقرءون في صلاتكم ؟ فقالوا : " الحمد لله " . وهذا يدل على أنه كان مشهورا عند الصحابة أنه لا يصلي أحد إلا بهذه السورة ، فكان هذا إجماعا معلوما عندهم .
الحجة الحادية عشرة : التمسك بقوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] وجه الدليل أن قوله : ( فاقرءوا ) أمر ، والأمر للوجوب ، فهذا يقتضي أن قراءة ما تيسر من القرآن واجبة ، فنقول : المراد بما تيسر من القرآن إما أن يكون هو الفاتحة أو غير الفاتحة ، أو المراد التخيير بين الفاتحة وبين غيرها ، والأول يقتضي أن تكون الفاتحة بعينها واجبة ، وهو المطلوب ، والثاني يقتضي أن تكون قراءة غير الفاتحة واجبة علينا ، وهو [ ص: 159 ] باطل بالإجماع . والثالث يقتضي أن يكون المكلف مخيرا بين قراءة الفاتحة وبين قراءة غيرها ، وذلك باطل بالإجماع ؛ لأن الأمة مجمعة على أن قراءة الفاتحة أولى من قراءة غيرها ، وسلم أن الصلاة بدون قراءة الفاتحة خداج ناقص ، والتخيير بين الناقص والكامل لا يجوز . أبو حنيفة
واعلم أنه تعالى إنما سمى قراءة الفاتحة قراءة لما تيسر من القرآن لأن هذه السورة محفوظة لجميع المكلفين من المسلمين ، فهي متيسرة للكل ، وأما سائر السور فقد تكون محفوظة وقد لا تكون ، وحينئذ لا تكون متيسرة للكل .
الحجة الثانية عشرة : الأمر بالصلاة كان ثابتا ، والأصل في الثابت البقاء ، خالفنا هذا الأصل عند الإتيان بها للصلاة المشتملة على قراءة الفاتحة ؛ لأن الأخبار دالة على أن ، ولأن المسلمين أطبقوا على أن الصلاة مع قراءة هذه السورة أكمل من الصلاة الخالية عن قراءة هذه السورة ، فعند عدم قراءة هذه السورة وجب البقاء على الأصل . سورة الفاتحة أفضل من سائر السور
الحجة الثالثة عشرة : قراءة الفاتحة توجب الخروج عن العهدة باليقين ، فكانت أحوط ، فوجب القول بوجوبها للنص والمعقول ، أما النص فقوله عليه الصلاة والسلام : ، وأما المعقول فهو أنه يفيد دفع ضرر الخوف عن النفس ، ودفع الضرر عن النفس واجب ؛ فإن قالوا : فلو اعتقدنا الوجوب لاحتمل كوننا مخطئين فيه ، فيبقى الخوف ، قلت : اعتقاد الوجوب يورث الخوف المحتمل ، واعتقاد عدم الوجوب يورثه أيضا ، فيتقابل هذان الضرران ، وأما في العمل فإن القراءة لا توجب الخوف ، أما تركه فيفيد الخوف ، فثبت أن الأحوط هو العمل . دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
الحجة الرابعة عشرة : لو كانت الصلاة بغير الفاتحة جائزة وكانت الصلاة بالفاتحة جائزة لما كانت الصلاة بالفاتحة أولى ؛ لأن المواظبة على قراءة الفاتحة توجب هجران سائر السور ، وذلك غير جائز ، لكنهم أجمعوا على أن الصلاة بهذه السورة أولى ، فثبت أن الصلاة بغير هذه السورة غير جائزة .
الحجة الخامسة عشرة : أجمعنا على أنه لا يجوز إبدال الركوع والسجود بغيرهما ، فوجب أن لا يجوز ، والجامع رعاية الاحتياط . إبدال قراءة الفاتحة بغيرها
الحجة السادسة عشرة : الأصل بقاء التكليف ، فالقول بأن الصلاة بدون قراءة الفاتحة تقتضي الخروج عن العهدة ، إما أن يعرف بالنص أو القياس ، أما الأول فباطل ؛ لأن النص الذي يتمسكون به هو قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] وقد بينا أنه دليلنا ، وأما القياس فباطل ؛ لأن التعبدات غالبة على الصلاة ، وفي مثل هذه الصورة يجب ترك القياس .