سورة الفاتحة
وآياتها سبع مكية
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وأما قوله جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم ) ففيه نوعان من البحث :
النوع الأول : قد اشتهر عند العلماء أن
nindex.php?page=treesubj&link=29447لله تعالى ألفا وواحدا من الأسماء المقدسة المطهرة وهي موجودة في الكتاب والسنة ، ولا شك أن البحث عن كل واحد من تلك الأسماء مسألة شريفة عالية ، وأيضا فالعلم بالاسم لا يحصل إلا إذا كان مسبوقا بالعلم بالمسمى ، وفي البحث عن ثبوت تلك المسميات ، وعن الدلائل الدالة على ثبوتها ، وعن أجوبة الشبهات التي تذكر في نفيها مسائل كثيرة ، ومجموعها يزيد على الألوف .
النوع الثاني من مباحث هذه الآية : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28971الباء في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله ) باء الإلصاق وهي متعلقة بفعل ، والتقدير : باسم الله أشرع في أداء الطاعات ، وهذا المعنى لا يصير ملخصا معلوما إلا بعد الوقوف على أقسام الطاعات وهي العقائد الحقة والأعمال الصافية مع الدلائل والبينات ومع الأجوبة عن الشبهات ، وهذا المجموع ربما زاد على عشرة آلاف مسألة .
ومن اللطائف أن قوله : ( أعوذ بالله ) إشارة إلى نفي ما لا ينبغي من العقائد والأعمال ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله ) إشارة إلى ما ينبغي من الاعتقادات والعمليات فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله ) لا يصير معلوما إلا بعد الوقوف على جميع العقائد الحقة والأعمال الصافية وهذا هو الترتيب الذي يشهد بصحته العقل الصحيح والحق الصريح .
أما قوله جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله ) فاعلم أن الحمد إنما يكون حمدا على النعمة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28971_33147والحمد على النعمة لا يمكن إلا بعد معرفة تلك النعمة ، لكن أقسام
nindex.php?page=treesubj&link=29485نعم الله خارجة عن التحديد والإحصاء كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] ولنتكلم في مثال واحد وهو أن العاقل يجب أن يعتبر ذاته : وذلك لأنه مؤلف من نفس وبدن : ولا شك أن أدون الجزءين وأقلهما فضيلة ومنفعة هو البدن ، ثم إن أصحاب التشريح وجدوا قريبا من خمسة آلاف نوع من المنافع والمصالح التي دبرها الله عز وجل بحكمته في تخليق بدن الإنسان ، ثم إن من وقف على هذه الأصناف المذكورة في كتب التشريح عرف أن نسبة هذا القدر المعلوم المذكور إلى ما لم يعلم وما لم يذكر كالقطرة في البحر المحيط ، وعند هذا يظهر أن معرفة
[ ص: 18 ] أقسام حكمة الرحمن في خلق الإنسان تشتمل على عشرة آلاف مسألة أو أكثر : ثم إذا ضمت إلى هذه الجملة آثار حكم الله تعالى في تخليق العرش والكرسي وأطباق السماوات وأجرام النيرات من الثوابت والسيارات ، وتخصيص كل واحد منها بقدر مخصوص ولون مخصوص وغير مخصوص ، ثم يضم إليها آثار حكم الله تعالى في تخليق الأمهات والمولدات من الجمادات والنباتات والحيوانات وأصناف أقسامها وأحوالها - علم أن هذا المجموع مشتمل على ألف ألف مسألة أو أكثر أو أقل ثم إنه تعالى نبه على أن أكثرها مخلوق لمنفعة الإنسان ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=13وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) [ الجاثية : 13 ] وحينئذ يظهر أن قوله جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله ) مشتمل على ألف ألف مسألة ، أو أكثر أو أقل .
وأما قوله جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رب العالمين ) فاعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رب ) مضاف ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2العالمين ) مضاف إليه ، وإضافة الشيء إلى الشيء تمتنع معرفتها إلا بعد حصول العلم بالمتضايفين ، فمن المحال حصول
nindex.php?page=treesubj&link=28658_28660_28659العلم بكونه تعالى ربا للعالمين إلا بعد معرفة رب العالمين ، ثم إن العالمين عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى ، وهي على ثلاثة أقسام : المتحيزات والمفارقات والصفات ، أما المتحيزات : فهي إما بسائط أو مركبات ، أما البسائط : فهي الأفلاك والكواكب والأمهات ، وأما المركبات : فهي المواليد الثلاثة . واعلم أنه لم يقم دليل على أنه لا جسم إلا هذه الأقسام الثلاثة ، وذلك لأنه ثبت بالدليل أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له ، وثبت بالدليل أنه تعالى قادر على جميع الممكنات ، فهو تعالى قادر على أن يخلق ألف ألف عالم خارج العالم ، بحيث يكون كل واحد من تلك العوالم أعظم وأجسم من هذا العالم ، ويحصل في كل واحد منها مثل ما حصل في هذا العالم من العرش والكرسي والسماوات والأرضين والشمس والقمر ،
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29620ودلائل الفلاسفة في إثبات أن العالم واحد دلائل ضعيفة ركيكة مبنية على مقدمات واهية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11880أبو العلاء المعري :
يا أيها الناس كم لله من فلك تجري النجوم به والشمس والقمر هين على الله ماضينا وغابرنا
فما لنا في نواحي غيره خطر
ومعلوم أن البحث عن هذه الأقسام التي ذكرناها للمتحيزات مشتمل على ألوف ألوف من المسائل ، بل الإنسان لو ترك الكل وأراد أن يحيط علمه بعجائب المعادن المتولدة في أرحام الجبال من الفلزات والأحجار الصافية وأنواع الكباريت والزرانيخ والأملاح ، وأن يعرف عجائب أحوال النبات مع ما فيها من الأزهار والأنوار والثمار ، وعجائب أقسام الحيوانات من البهائم والوحوش والطيور والحشرات - لنفد عمره في أقل القليل من هذه المطالب ، ولا ينتهي إلى غورها كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ] وهي بأسرها وأجمعها داخلة تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رب العالمين ) .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرحمن الرحيم ) فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19958_29485الرحمة عبارة عن التخليص من أنواع الآفات ، وعن إيصال الخيرات إلى أصحاب الحاجات ، أما التخليص عن أقسام الآفات فلا يمكن معرفته إلا بعد معرفة أقسام الآفات ، وهي كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى ، ومن شاء أن يقف على قليل منها فليطالع كتب الطب حتى يقف عقله على أقسام الأسقام التي يمكن تولدها في كل واحد من الأعضاء والأجزاء ثم يتأمل في أنه تعالى كيف
[ ص: 19 ] هدى عقول الخلق إلى معرفة أقسام الأغذية والأدوية من المعادن والنبات والحيوان ، فإنه إذا خاض في هذا الباب وجده بحرا لا ساحل له .
وقد حكى
جالينوس أنه لما صنف كتابه في منافع أعضاء العين قال : بخلت على الناس بذكر حكمة الله تعالى في تخليق العصبين المجوفين ملتقيين على موضع واحد ، فرأيت في النوم كأن ملكا نزل من السماء وقال : يا
جالينوس إن إلهك يقول : لم بخلت على عبادي بذكر حكمتي ؟ قال : فانتبهت فصنفت فيه كتابا ، وقال أيضا : إن طحالي قد غلظ فعالجته بكل ما عرفت فلم ينفع فرأيت في الهيكل كأن ملكا نزل من السماء وأمرني بفصد العرق الذي بين الخنصر والبنصر : وأكثر علامات الطب في أوائلها تنتهي إلى أمثال هذه التنبيهات والإلهامات ، فإذا وقف الإنسان على أمثال هذه المباحث عرف أن أقسام رحمة الله تعالى على عباده خارجة عن الضبط والإحصاء .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ) فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19793الإنسان كالمسافر في هذه الدنيا وسنوه كالفراسخ وشهوره كالأميال وأنفاسه كالخطوات ومقصده الوصول إلى عالم أخراه : لأن هناك يحصل الفوز بالباقيات الصالحات ، فإذا شاهد في الطريق أنواع هذه العجائب في ملكوت الأرض والسماوات فلينظر أنه كيف يكون عجائب حال عالم الآخرة في الغبطة والبهجة والسعادة .
إذا عرفت هذا فنقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ) إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19794_19795_30347_30336مسائل المعاد والحشر والنشر ، وهي قسمان : بعضها عقلية محضة ، وبعضها سمعية . أما العقلية المحضة فكقولنا : هذا العالم يمكن تخريبه وإعدامه ، ثم يمكن إعادته مرة أخرى وإن هذا الإنسان بعد موته تمكن إعادته ، وهذا الباب لا يتم إلا بالبحث عن حقيقة جوهر النفس ، وكيفية أحوالها وصفاتها ، وكيفية بقائها بعد البدن ، وكيفية سعادتها وشقاوتها ، وبيان قدرة الله عز وجل على إعادتها ، وهذه المباحث لا تتم إلا بما يقرب من خمسمائة مسألة من المباحث الدقيقة العقلية .
وأما السمعيات فهي على ثلاثة أقسام :
أحدها : الأحوال التي توجد قبل قيام القيامة ، وتلك العلامات منها صغيرة ومنها كبيرة وهي العلامات العشرة التي سنذكرها ونذكر أحوالها .
وثانيها : الأحوال التي توجد عند قيام القيامة وهي كيفية النفخ في الصور ، وموت الخلائق ، وتخريب السماوات والكواكب ، وموت الروحانيين والجسمانيين .
وثالثها : الأحوال التي توجد بعد قيام القيامة وشرح أحوال أهل الموقف ، وهي كثيرة يدخل فيها كيفية وقوف الخلق ، وكيفية الأحوال التي يشاهدونها ، وكيفية حضور الملائكة والأنبياء عليهم السلام ، وكيفية الحساب ، وكيفية وزن الأعمال ، وذهاب فريق إلى الجنة وفريق إلى النار ، وكيفية صفة أهل الجنة وصفة أهل النار ، ومن هذا الباب شرح أحوال أهل الجنة وأهل النار بعد وصولهم إليها ، وشرح الكلمات التي يذكرونها والأعمال التي يباشرونها ، ولعل مجموع هذه المسائل العقلية والنقلية يبلغ الألوف من المسائل ، وهي بأسرها داخلة تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ) .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين ) فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28345العبادة عبارة عن الإتيان بالفعل المأمور به على سبيل التعظيم للآمر ، فما لم يثبت بالدليل أن لهذا العالم إلها واحدا ، قادرا على مقدورات لا نهاية لها ، عالما بمعلومات لا نهاية لها ، غنيا عن كل الحاجات ، فإنه أمر عباده ببعض الأشياء ونهاهم عن بعضها ، وأنه يجب على الخلائق طاعته والانقياد لتكاليفه - فإنه لا يمكن القيام بلوازم قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد ) ثم إن بعد
[ ص: 20 ] الفراغ من المقام المذكور لا بد من تفصيل أقسام تلك التكاليف ، وبيان أنواع تلك الأوامر والنواهي . وجميع ما صنف في الدين من كتب الفقه يدخل فيه تكاليف الله ، ثم كما يدخل فيه تكاليف الله تعالى بحسب هذه الشريعة فكذلك يدخل فيه تكاليف الله تعالى بحسب الشرائع التي قد كان أنزلها الله تعالى على الأنبياء المتقدمين ، وأيضا يدخل فيه الشرائع التي كلف الله بها ملائكته في السماوات منذ خلق الملائكة وأمرهم بالاشتغال بالعبادات والطاعات ، وأيضا فكتب الفقه مشتملة على شرح التكاليف المتوجهة في أعمال الجوارح ، أما أقسام التكاليف الموجودة في أعمال القلوب فهي أكبر وأعظم وأجل ، وهي التي تشتمل عليها كتب الأخلاق وكتب السياسات ، بحسب الملل المختلفة والأمم المتباينة ، وإذا اعتبر الإنسان مجموع هذه المباحث وعلم أنها بأسرها داخلة تحت قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد ) علم حينئذ أن المسائل التي اشتملت هذه الآية عليها كالبحر المحيط الذي لا تصل العقول والأفكار إلا إلى القليل منها .
أما قوله جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) فاعلم أنه عبارة عن طلب الهداية ،
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19784ولتحصيل الهداية طريقان :
أحدهما : طلب المعرفة بالدليل والحجة .
والثاني : بتصفية الباطن والرياضة ، أما طرق الاستدلال فإنها غير متناهية ؛ لأنه لا ذرة من ذرات العالم الأعلى والأسفل إلا وتلك الذرة شاهدة بكمال إلهيته ، وبعزة عزته وبجلال صمديته كما قيل :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
وتقريره : أن أجسام العالم متساوية في ماهية الجسمية ، ومختلفة في الصفات ، وهي الألوان والأمكنة والأحوال ، ويستحيل أن يكون اختصاص كل جسم بصفته المعينة لأجل الجسمية أو لوازم الجسمية ، وإلا لزم حصول الاستواء ، فوجب أن يكون ذلك لتخصيص مخصص وتدبير مدبر .
وذلك المخصص إن كان جسما عاد الكلام فيه وإن لم يكن جسما فهو المطلوب ، ثم ذلك الموجود إن لم يكن حيا عالما قادرا ، بل كان تأثيره بالفيض والطبع عاد الإلزام في وجوب الاستواء ، وإن كان حيا عالما قادرا فهو المطلوب .
إذا عرفت هذا فقد ظهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=28659_19784كل واحد من ذرات السماوات والأرض شاهد صادق ومخبر ناطق بوجود الإله القادر الحكيم العليم ، وكان الشيخ الإمام الوالد
ضياء الدين عمر رحمه الله يقول : إن لله تعالى في كل جوهر فرد أنواعا غير متناهية من الدلائل الدالة على القدرة والحكمة والرحمة ، وذلك لأن كل جوهر فرد فإنه يمكن وقوعه في أحياز غير متناهية على البدل ، ويمكن أيضا اتصافه بصفات غير متناهية على البدل ، وكل واحد من تلك الأحوال المقدرة فإنه بتقدير الوقوع يدل على الافتقار إلى وجود الصانع الحكيم الرحيم .
فثبت بما ذكرنا أن هذا النوع من المباحث غير متناه ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19523تحصيل الهداية بطريق الرياضة والتصفية فذلك بحر لا ساحل له ، ولكل واحد من السائرين إلى الله تعالى منهج خاص ومشرب معين ، كما قال "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148ولكل وجهة هو موليها " ولا وقوف للعقول على تلك الأسرار ، ولا خبر عند الأفهام من مبادئ ميادين تلك الأنوار ، والعارفون المحققون لحظوا فيها مباحث عميقة وأسرارا دقيقة قلما ترقى إليها أفهام الأكثرين .
وأما قوله جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فما أجل هذه المقامات وأعظم مراتب هذه الدرجات ! ومن وقف على ما ذكرناه من البيانات أمكنه أن يطلع على مبادئ هذه الحالات ، فقد ظهر بالبيان الذي سبق أن هذه السورة مشتملة على مباحث لا نهاية لها ، وأسرار لا غاية
[ ص: 21 ] لها ، وأن قول من يقول : هذه السورة مشتملة على عشرة آلاف مسألة كلام خرج على ما يليق بأفهام السامعين .
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
وَآيَاتُهَا سَبْعٌ مَكِّيَّةٌ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَفِيهِ نَوْعَانِ مِنَ الْبَحْثِ :
النَّوْعُ الْأَوَّلُ : قَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29447لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفًا وَوَاحِدًا مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُطَهَّرَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَسْأَلَةٌ شَرِيفَةٌ عَالِيَةٌ ، وَأَيْضًا فَالْعِلْمُ بِالِاسْمِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالْعِلْمِ بِالْمُسَمَّى ، وَفِي الْبَحْثِ عَنْ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ ، وَعَنِ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِهَا ، وَعَنْ أَجْوِبَةِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي نَفْيِهَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ، وَمَجْمُوعُهَا يَزِيدُ عَلَى الْأُلُوفِ .
النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْآيَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28971الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ ) بَاءُ الْإِلْصَاقِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : بِاسْمِ اللَّهِ أَشْرَعُ فِي أَدَاءِ الطَّاعَاتِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِيرُ مُلَخَّصًا مَعْلُومًا إِلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى أَقْسَامِ الطَّاعَاتِ وَهِيَ الْعَقَائِدُ الْحَقَّةُ وَالْأَعْمَالُ الصَّافِيَةُ مَعَ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ وَمَعَ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الشُّبُهَاتِ ، وَهَذَا الْمَجْمُوعُ رُبَّمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ مَسْأَلَةٍ .
وَمِنَ اللَّطَائِفِ أَنَّ قَوْلَهُ : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَنْبَغِي مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ ) لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إِلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى جَمِيعِ الْعَقَائِدِ الْحَقَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّافِيَةِ وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الَّذِي يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ الْعَقْلُ الصَّحِيحُ وَالْحَقُّ الصَّرِيحُ .
أَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ ) فَاعْلَمْ أَنَّ الْحَمْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حَمْدًا عَلَى النِّعْمَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28971_33147وَالْحَمْدُ عَلَى النِّعْمَةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ تِلْكَ النِّعْمَةِ ، لَكِنَّ أَقْسَامَ
nindex.php?page=treesubj&link=29485نِعَمِ اللَّهِ خَارِجَةٌ عَنِ التَّحْدِيدِ وَالْإِحْصَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) [ إِبْرَاهِيمَ : 34 ] وَلْنَتَكَلَّمْ فِي مِثَالٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ ذَاتَهُ : وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُؤَلَّفٌ مِنْ نَفْسٍ وَبَدَنٍ : وَلَا شَكَّ أَنَّ أَدْوَنَ الْجُزْءَيْنِ وَأَقَلَّهُمَا فَضِيلَةً وَمَنْفَعَةً هُوَ الْبَدَنُ ، ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ التَّشْرِيحِ وَجَدُوا قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةِ آلَافِ نَوْعٍ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي دَبَّرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحِكْمَتِهِ فِي تَخْلِيقِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ ، ثُمَّ إِنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ التَّشْرِيحِ عَرَفَ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْقَدْرِ الْمَعْلُومِ الْمَذْكُورِ إِلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ مَعْرِفَةَ
[ ص: 18 ] أَقْسَامِ حِكْمَةِ الرَّحْمَنِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ تَشْتَمِلُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ مَسْأَلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ : ثُمَّ إِذَا ضُمَّتْ إِلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ آثَارُ حِكَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَخْلِيقِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَأَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ وَأَجْرَامِ النَّيِّرَاتِ مِنَ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ ، وَتَخْصِيصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَلَوْنٍ مَخْصُوصٍ وَغَيْرِ مَخْصُوصٍ ، ثُمَّ يُضَمُّ إِلَيْهَا آثَارُ حِكَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَخْلِيقِ الْأُمَّهَاتِ وَالْمُوَلَّدَاتِ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَأَصْنَافِ أَقْسَامِهَا وَأَحْوَالِهَا - عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَلْفِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا مَخْلُوقٌ لِمَنْفَعَةِ الْإِنْسَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=13وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) [ الْجَاثِيَةِ : 13 ] وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ ) مُشْتَمِلٌ عَلَى أَلْفِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رَبِّ ) مُضَافٌ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْعَالَمِينَ ) مُضَافٌ إِلَيْهِ ، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ تَمْتَنِعُ مَعْرِفَتُهَا إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُتَضَايِفَيْنِ ، فَمِنَ الْمُحَالِ حُصُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=28658_28660_28659الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى رَبًّا لِلْعَالَمِينَ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، ثُمَّ إِنَّ الْعَالَمِينَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : الْمُتَحَيِّزَاتُ وَالْمُفَارِقَاتُ وَالصِّفَاتُ ، أَمَّا الْمُتَحَيِّزَاتُ : فَهِيَ إِمَّا بَسَائِطُ أَوْ مُرَكَّبَاتٌ ، أَمَّا الْبَسَائِطُ : فَهِيَ الْأَفْلَاكُ وَالْكَوَاكِبُ وَالْأُمَّهَاتُ ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبَاتُ : فَهِيَ الْمَوَالِيدُ الثَّلَاثَةُ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا جِسْمَ إِلَّا هَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ حَصَلَ خَارِجَ الْعَالَمِ خَلَاءٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ ، فَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ أَلْفَ أَلْفَ عَالَمٍ خَارِجَ الْعَالَمِ ، بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْعَوَالِمِ أَعْظَمَ وَأَجْسَمَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ ، وَيَحْصُلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِثْلَ مَا حَصَلَ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنَ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29620وَدَلَائِلُ الْفَلَاسِفَةِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ الْعَالَمَ وَاحِدٌ دَلَائِلُ ضَعِيفَةٌ رَكِيكَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَاهِيَةٍ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11880أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كَمْ لِلَّهِ مِنْ فَلَكٍ تَجْرِي النُّجُومُ بِهِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ مَاضِينَا وَغَابِرُنَا
فَمَا لَنَا فِي نَوَاحِي غَيْرِهِ خَطَرُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لِلْمُتَحَيِّزَاتِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أُلُوفِ أُلُوفٍ مِنَ الْمَسَائِلِ ، بَلِ الْإِنْسَانُ لَوْ تَرَكَ الْكُلَّ وَأَرَادَ أَنْ يُحِيطَ عِلْمُهُ بِعَجَائِبِ الْمَعَادِنِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي أَرْحَامِ الْجِبَالِ مِنَ الْفِلِزَّاتِ وَالْأَحْجَارِ الصَّافِيَةِ وَأَنْوَاعِ الْكَبَارِيتِ وَالزَّرَانِيخِ وَالْأَمْلَاحِ ، وَأَنْ يَعْرِفَ عَجَائِبَ أَحْوَالِ النَّبَاتِ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَزْهَارِ وَالْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ ، وَعَجَائِبَ أَقْسَامِ الْحَيَوَانَاتِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالْحَشَرَاتِ - لَنَفِدَ عُمُرُهُ فِي أَقَلِّ الْقَلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْمَطَالِبِ ، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى غَوْرِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ) [ لُقْمَانَ : 27 ] وَهِيَ بِأَسْرِهَا وَأَجْمَعِهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19958_29485الرَّحْمَةَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّخْلِيصِ مِنْ أَنْوَاعِ الْآفَاتِ ، وَعَنْ إِيصَالِ الْخَيْرَاتِ إِلَى أَصْحَابِ الْحَاجَاتِ ، أَمَّا التَّخْلِيصُ عَنْ أَقْسَامِ الْآفَاتِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْآفَاتِ ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَلِيلٍ مِنْهَا فَلْيُطَالِعْ كُتُبَ الطِّبِّ حَتَّى يَقِفَ عَقْلُهُ عَلَى أَقْسَامِ الْأَسْقَامِ الَّتِي يُمْكِنُ تَوَلُّدُهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ ثُمَّ يَتَأَمَّلْ فِي أَنَّهُ تَعَالَى كَيْفَ
[ ص: 19 ] هَدَى عُقُولَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ مِنَ الْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ ، فَإِنَّهُ إِذَا خَاضَ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَدَهُ بَحْرًا لَا سَاحِلَ لَهُ .
وَقَدْ حَكَى
جَالِينُوسُ أَنَّهُ لَمَّا صَنَّفَ كِتَابَهُ فِي مَنَافِعِ أَعْضَاءِ الْعَيْنِ قَالَ : بَخِلْتُ عَلَى النَّاسِ بِذِكْرِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَخْلِيقِ الْعَصَبَيْنِ الْمُجَوَّفَيْنِ مُلْتَقِيَيْنِ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ : يَا
جَالِينُوسُ إِنَّ إِلَهَكَ يَقُولُ : لِمَ بَخِلْتَ عَلَى عِبَادِي بِذِكْرِ حِكْمَتِي ؟ قَالَ : فَانْتَبَهْتُ فَصَنَّفْتُ فِيهِ كِتَابًا ، وَقَالَ أَيْضًا : إِنَّ طِحَالِي قَدْ غَلُظَ فَعَالَجْتُهُ بِكُلِّ مَا عَرَفْتُ فَلَمْ يَنْفَعْ فَرَأَيْتُ فِي الْهَيْكَلِ كَأَنَّ مَلَكًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَأَمَرَنِي بِفَصْدِ الْعِرْقِ الَّذِي بَيْنَ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ : وَأَكْثَرُ عَلَامَاتِ الطِّبِّ فِي أَوَائِلِهَا تَنْتَهِي إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ وَالْإِلْهَامَاتِ ، فَإِذَا وَقَفَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ عَرَفَ أَنَّ أَقْسَامَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ خَارِجَةٌ عَنِ الضَّبْطِ وَالْإِحْصَاءِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19793الْإِنْسَانَ كَالْمُسَافِرِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَسُنُوهُ كَالْفَرَاسِخِ وَشُهُورُهُ كَالْأَمْيَالِ وَأَنْفَاسُهُ كَالْخُطُوَاتِ وَمَقْصِدُهُ الْوُصُولُ إِلَى عَالَمِ أُخْرَاهُ : لِأَنَّ هُنَاكَ يَحْصُلُ الْفَوْزُ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، فَإِذَا شَاهَدَ فِي الطَّرِيقِ أَنْوَاعَ هَذِهِ الْعَجَائِبِ فِي مَلَكُوتِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ فَلْيَنْظُرْ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ عَجَائِبُ حَالِ عَالَمِ الْآخِرَةِ فِي الْغِبْطَةِ وَالْبَهْجَةِ وَالسَّعَادَةِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19794_19795_30347_30336مَسَائِلِ الْمَعَادِ وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ، وَهِيَ قِسْمَانِ : بَعْضُهَا عَقْلِيَّةٌ مَحْضَةٌ ، وَبَعْضُهَا سَمْعِيَّةٌ . أَمَّا الْعَقْلِيَّةُ الْمَحْضَةُ فَكَقَوْلِنَا : هَذَا الْعَالَمُ يُمْكِنُ تَخْرِيبُهُ وَإِعْدَامُهُ ، ثُمَّ يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ مَرَّةً أُخْرَى وَإِنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ تُمْكِنُ إِعَادَتُهُ ، وَهَذَا الْبَابُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْبَحْثِ عَنْ حَقِيقَةِ جَوْهَرِ النَّفْسِ ، وَكَيْفِيَّةِ أَحْوَالِهَا وَصِفَاتِهَا ، وَكَيْفِيَّةِ بَقَائِهَا بَعْدَ الْبَدَنِ ، وَكَيْفِيَّةِ سَعَادَتِهَا وَشَقَاوَتِهَا ، وَبَيَانِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى إِعَادَتِهَا ، وَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِمَا يَقْرُبُ مِنْ خَمْسِمِائَةِ مَسْأَلَةٍ مِنَ الْمَبَاحِثِ الدَّقِيقَةِ الْعَقْلِيَّةِ .
وَأَمَّا السَّمْعِيَّاتُ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : الْأَحْوَالُ الَّتِي تُوجَدُ قَبْلَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ ، وَتِلْكَ الْعَلَامَاتُ مِنْهَا صَغِيرَةٌ وَمِنْهَا كَبِيرَةٌ وَهِيَ الْعَلَامَاتُ الْعَشْرَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا وَنَذْكُرُ أَحْوَالَهَا .
وَثَانِيهَا : الْأَحْوَالُ الَّتِي تُوجَدُ عِنْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ وَهِيَ كَيْفِيَّةُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ ، وَمَوْتِ الْخَلَائِقِ ، وَتَخْرِيبِ السَّمَاوَاتِ وَالْكَوَاكِبِ ، وَمَوْتِ الرُّوحَانِيِّينَ وَالْجِسْمَانِيِّينَ .
وَثَالِثُهَا : الْأَحْوَالُ الَّتِي تُوجَدُ بَعْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ وَشَرْحِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ يَدْخُلُ فِيهَا كَيْفِيَّةُ وُقُوفِ الْخَلْقِ ، وَكَيْفِيَّةُ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُشَاهِدُونَهَا ، وَكَيْفِيَّةُ حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَكَيْفِيَّةُ الْحِسَابِ ، وَكَيْفِيَّةُ وَزْنِ الْأَعْمَالِ ، وَذَهَابِ فَرِيقٍ إِلَى الْجَنَّةِ وَفَرِيقٍ إِلَى النَّارِ ، وَكَيْفِيَّةُ صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ أَهْلِ النَّارِ ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ شَرْحُ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ بَعْدَ وُصُولِهِمْ إِلَيْهَا ، وَشَرْحُ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا وَالْأَعْمَالِ الَّتِي يُبَاشِرُونَهَا ، وَلَعَلَّ مَجْمُوعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ يَبْلُغُ الْأُلُوفَ مِنَ الْمَسَائِلِ ، وَهِيَ بِأَسْرِهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28345الْعِبَادَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِلْآمِرِ ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ بِالدَّلِيلِ أَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ إِلَهًا وَاحِدًا ، قَادِرًا عَلَى مَقْدُورَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، عَالِمًا بِمَعْلُومَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، غَنِيًّا عَنْ كُلِّ الْحَاجَاتِ ، فَإِنَّهُ أَمَرَ عِبَادَهُ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَنَهَاهُمْ عَنْ بَعْضِهَا ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلَائِقِ طَاعَتُهُ وَالِانْقِيَادُ لِتَكَالِيفِهِ - فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِيَامُ بِلَوَازِمِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) ثُمَّ إِنَّ بَعْدَ
[ ص: 20 ] الْفَرَاغِ مِنَ الْمَقَامِ الْمَذْكُورِ لَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ أَقْسَامِ تِلْكَ التَّكَالِيفِ ، وَبَيَانِ أَنْوَاعِ تِلْكَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي . وَجَمِيعُ مَا صُنِّفَ فِي الدِّينِ مَنْ كُتُبِ الْفِقْهِ يَدْخُلُ فِيهِ تَكَالِيفُ اللَّهِ ، ثُمَّ كَمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَكَالِيفُ اللَّهِ تَعَالَى بِحَسَبِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ تَكَالِيفُ اللَّهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الشَّرَائِعِ الَّتِي قَدْ كَانَ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَأَيْضًا يَدْخُلُ فِيهِ الشَّرَائِعُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ بِهَا مَلَائِكَتَهُ فِي السَّمَاوَاتِ مُنْذُ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ وَأَمَرَهُمْ بِالِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ ، وَأَيْضًا فَكُتُبُ الْفِقْهِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى شَرْحِ التَّكَالِيفِ الْمُتَوَجِّهَةِ فِي أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ ، أَمَّا أَقْسَامُ التَّكَالِيفِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَهِيَ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ وَأَجَلُّ ، وَهِيَ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا كُتُبُ الْأَخْلَاقِ وَكُتُبُ السِّيَاسَاتِ ، بِحَسَبِ الْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأُمَمِ الْمُتَبَايِنَةِ ، وَإِذَا اعْتَبَرَ الْإِنْسَانُ مَجْمُوعَ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَعَلِمَ أَنَّهَا بِأَسْرِهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) عَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْهَا كَالْبَحْرِ الْمُحِيطِ الَّذِي لَا تَصِلُ الْعُقُولُ وَالْأَفْكَارُ إِلَّا إِلَى الْقَلِيلِ مِنْهَا .
أَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الْهِدَايَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19778_19784وَلِتَحْصِيلِ الْهِدَايَةِ طَرِيقَانِ :
أَحَدُهُمَا : طَلَبُ الْمَعْرِفَةِ بِالدَّلِيلِ وَالْحُجَّةِ .
وَالثَّانِي : بِتَصْفِيَةِ الْبَاطِنِ وَالرِّيَاضَةِ ، أَمَّا طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَرَّةَ مِنْ ذَرَّاتِ الْعَالَمِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ إِلَّا وَتِلْكَ الذَّرَّةُ شَاهِدَةٌ بِكَمَالِ إِلَهِيَّتِهِ ، وَبِعِزَّةِ عِزَّتِهِ وَبِجَلَالِ صَمَدِيَّتِهِ كَمَا قِيلَ :
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
وَتَقْرِيرُهُ : أَنَّ أَجْسَامَ الْعَالَمِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي مَاهِيَّةِ الْجِسْمِيَّةِ ، وَمُخْتَلِفَةٌ فِي الصِّفَاتِ ، وَهِيَ الْأَلْوَانُ وَالْأَمْكِنَةُ وَالْأَحْوَالُ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَاصُ كُلِّ جِسْمٍ بِصِفَتِهِ الْمُعَيَّنَةِ لِأَجْلِ الْجِسْمِيَّةِ أَوْ لَوَازِمِ الْجِسْمِيَّةِ ، وَإِلَّا لَزِمَ حُصُولُ الِاسْتِوَاءِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ وَتَدْبِيرِ مُدَبِّرٍ .
وَذَلِكَ الْمُخَصِّصُ إِنْ كَانَ جِسْمًا عَادَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِسْمًا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا ، بَلْ كَانَ تَأْثِيرُهُ بِالْفَيْضِ وَالطَّبْعِ عَادَ الْإِلْزَامُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِوَاءِ ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_19784كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَرَّاتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَمُخْبِرٌ نَاطِقٌ بِوُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ ، وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْوَالِدُ
ضِيَاءُ الدِّينِ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ جَوْهَرٍ فَرْدٍ أَنْوَاعًا غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ جَوْهَرٍ فَرْدٍ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ فِي أَحْيَازٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ عَلَى الْبَدَلِ ، وَيُمْكِنُ أَيْضًا اتِّصَافُهُ بِصِفَاتٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ عَلَى الْبَدَلِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُقَدَّرَةِ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْوُقُوعِ يَدُلُّ عَلَى الِافْتِقَارِ إِلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ الرَّحِيمِ .
فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَبَاحِثِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19523تَحْصِيلُ الْهِدَايَةِ بِطَرِيقِ الرِّيَاضَةِ وَالتَّصْفِيَةِ فَذَلِكَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّائِرِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْهَجٌ خَاصٌّ وَمَشْرَبٌ مُعَيَّنٌ ، كَمَا قَالَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا " وَلَا وُقُوفَ لِلْعُقُولِ عَلَى تِلْكَ الْأَسْرَارِ ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَ الْأَفْهَامِ مِنْ مَبَادِئِ مَيَادِينِ تِلْكَ الْأَنْوَارِ ، وَالْعَارِفُونَ الْمُحَقِّقُونَ لَحَظُوا فِيهَا مَبَاحِثَ عَمِيقَةً وَأَسْرَارًا دَقِيقَةً قَلَّمَا تَرْقَى إِلَيْهَا أَفْهَامُ الْأَكْثَرِينَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) فَمَا أَجَلَّ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ وَأَعْظَمَ مَرَاتِبِ هَذِهِ الدَّرَجَاتِ ! وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْبَيَانَاتِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مَبَادِئِ هَذِهِ الْحَالَاتِ ، فَقَدْ ظَهَرَ بِالْبَيَانِ الَّذِي سَبَقَ أَنْ هَذِهِ السُّورَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَبَاحِثَ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَأَسْرَارٍ لَا غَايَةَ
[ ص: 21 ] لَهَا ، وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ : هَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ مَسْأَلَةٍ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِأَفْهَامِ السَّامِعِينَ .